خطب الجمعهخطب الشيخ سعد السبر
ومانرسل بالآيات إلا تخويفا سيول جدة – خطب الجمعة

الحمد لله ذي الملكوت والقدرة الملك الجبار أحمده حمدا حمدا وأشكره شكرا شكرا على واسع فضله وسابغ عطائه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له في أُلوهيته وفي ربوبيته وفي أسمائه وفي صفاته تنزه عن الند وعن الشبيه وعن المثيل وعن النظير ليس كمثله شئ وهو السميع البصير وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الرحمة المهاداة والنعمة المزجاة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي الملجأ عند الخوف والنجاة من الذنوب ومنة علام الغيوب
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (آل عمران :102)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) (الاحزاب :70)
أيها المؤمنون حل بإخواننا في جدة حدث عظيم وخطب جسيم كرب وهم وغم غرق وموت وتشريد وجثث تتشتت وأشلاء تتوزع وأسر تغرق , أطفال رضع وعجائز وشيوخ رُكع في سيارتهم يغرقون وفي مساكنهم وشوراعهم يموتون في أمواج كالجبال يسيرون وإلى حتفهم يتوجهون ( وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ ) ولكن ( لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَ ) رجل يحمل أطفاله ويرتفع فوق جدار وأمه تمسك برجله وزوجته تتعلق بيده وتحاولان ولكن لاعاصم من أمره إلا من رحم تتشهدان وتغرقان والابن الزوج يرهما تموتان فأي مشهد وأي قلب يتحمل ورجل يصعد فوق سطح غرفة في الشارع ويأتي بأطفاله وزوجته ويتركهم ويفزع لربهم يركع يشتغيث ينادي الجبار فيحميه الله وأسرته فسبحان المتفضل المحيي المميت أصبحوا أغنياء وباتوا فقراء باتوا آمنين وأصبحوا خائفين مشردين ناموا أعزاء وقاموا يطلبون الغوث والنجدة ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) .
روى الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي
قال في الحديث القدسي عن رب العزة: ((ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات يستأذن الله تعالى أن ينتضح عليهم فيكفه الله عز وجل))
وفي رواية: ((ما من يوم إلا والبحر يستأذن ربه أن يغرق ابن آدم، والملائكة تعاجله وتهلكه، والرب سبحانه وتعالى يقول دعوا عبدي)) انه بسبب معاصي ابن آدم، فيعظم على البحر أن يرى ابن آدم وهو يعصي الله فيتألم لذلك ويتمنى هلاك ابن آدم، لكن الله جل وتعالى بحلمه وعطفه ورحمته بنا يقول، دعوا عبدي. ولكن عزاؤنا أنهم ماتوا شهداء وهي أعلى منازل الأولياء ، والشهداء يختارهم الله من بين عباده ، وفي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم : (وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ ) وفي لفظ: (وَمَنْ غَرِقَ فَهُوَ شَهِيدٌ ) رواه مسلم
أيها الناس إن الله عز وجل خلق الكون وأودع فيه من الأسرار والحكم والآيات التي تدل على قدرته وملكه وتصرفه ( تُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء ) يقلب الليل والنهار ليكونا عبرة لمن كان له قلب يرسل بالآيات ليخوف خلقه ولينذرهم ويحذرهم سخطه وبطشه قال تعالى (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً).
قال قتادة: إن الله تعالى يخوف الناس بما شاء من الآيات لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون, وذكر لنا أن الكوفة رجفت على عهد ابن مسعود رضي الله عنه, فقال: يا أيها الناس إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه, وهكذا روي أن المدينة زلزلت على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرات, فقال عمر: أحدثتم والله لئن عادت لأفعلن ولأفعلن. وكذا قال رسول الله
في الحديث المتفق عليه (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته, ولكن الله عز وجل يخوف بهما عباده, فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما وعن الحسن وعن قتادة في التخويف أنهم قالوا: الموت قال أبو حيان الآيات التي جعلها الله تخويفاً لعباده سماوية ككسوف الشمس ، وخسوف القمر ، والرعد ، والبرق ، والصواعق ، والرجوم وما يجري مجرى ذلك. وأرضية زلازل ، وخسف ، ومحول , وقال الطبري وما نرسل بالعبر والذكر إلا تخويفا للعباد وقال القرطبي رحمه الله : فيه أقوال: منها أنها آيات الانتقام تخويفا من المعاصي. وقال إنها الموت الذريع .
أيها الأحبة إن الله يبلو عباده بالشر والخير فتنة إبتلاء وإمتحانا قال الطبري وقوله: (وَنَبْلُوكُم بِالشّرّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) ونختبركم أيها الناس بالشر وهو الشدة نبتليكم بها، وبالخير وهو الرخاء والسعة العافية فنفتنكم به.
إخوة الدين إن المصائب والبلاء ينزلان على الإنسان بسب ذنوبه (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) .
ويحلان بالناس موعظة وتذكيرا وتخويفا وتنبيه ( ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: 41) والله يرسل بالآيات تخويفا وتنبيها وقد يعذبهم بذنبوهم فإذا حل بالمسلمين مصائب فقد تكون إبتلاء واختبارا وقد تكون عقابا ولكن الجزم بأن المصائب التي تحل بالمسلمين عقابا فيه تعدي على الله وقطع بما لايعلم الإنسان لأن الله جعل الصبر على المصائب من أعظم الأعمال ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) (البقرة :155)
أيها المسلمون ماحدث موعظة وعبرة ودروس لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد فهل من معتبر ومدكر ومتعظ ظهرت قدرة الله وتجلت عظمته كيف انقلبت حالهم في ساعات قليلة ؟كيف جمع كثيرا من بلدان معدودة ليموتوا بالغرق ؟ فلا إله إلا الله كيف تفضل على من تفضل ونجاه وكيف قاد هؤلاء لأجلهم فاللهم احفظنا بحفظك ياربنا والمسليمن
كتبه د/ سعد السبر
24/12/1430