خطب الجمعهخطب الشيخ سعد السبر

الظلم العظيم السحر – خطب الجمعة

الحمد لله كَثيراً غَزِيراً لا يُعَدُّ وَيُحْسَبُ ، وَفيرَاً مَطِيراً لا يكلُّ ويتَعبُ ، نحمَدهُ على غمرَاتِه وأنعَامِه ، وأغدَاقهِ وأفضَالِه ، ونشكره عدَّ الأبْصَار ومدَّ الإبْصَار ، وفَتْقَ الأمَواج وغَدْقَ الأفوَاج ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ فِي أُلوْهِيَّتِهِ وَفِي رُبُوبِيَّتِهِ وَفِي أَسْمَائِهَ وَصِفَاتِهِ ، تَنزَّهَ عَنِ النِّد وَعَنِ الشَّبِيِهِ ، وَعَنِ المَثِيلِ وَعَنِ النَّظِيرِ ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهَوَ السَّمِيعُ البَصِير ، وَأشْهَدُ أّنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُه ، الأصلُ الأسَاس ، ومِشْكَاة النِّبرَاس ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ الأفرَاس ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْراً إِلَى يَوْمِ الدِّين .

أَمَّا بَعْد: فَأُوصِيْكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنفْسِي بِتَقَوَى اللهِ عَزَّ وَجَلّ ، فلا منَاص من الخلاص إلا بها ، ولا سبيلَ إلى الدُّخُولِ إلا بابها :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(1)

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) .(2)

خطب الجمعة


أيّها المؤمِنُون : تواترَت الأخبارُ وتَهَاوَت الأمصَار ، وَ حَارَت الأجنَاسُ وتسَابَقت الأنْفَاس ، السَيلُ الكُفريُّ الجرَّار ، والوبلُ الشِّرْكي المدرَار ، قَد بلَغَ أَوْجَه ، وانْحَلَّ سِرْجَه ، فَوَلَّى إلى الدِّيارِ فَأهلَكَهَا ، وَاستَولَى عَلَى القُلُوبِ فَسَوَّدَهَا ، فَاضْطَرَبَتْ الأفْهَامُ وَاشْتَبَكَتْ الأقْدَام ، وَجَلَبَ خيَلُ الأعَادِي فَضَاعَ صَوتُ المُنَادِي ، عَيَت عُقُولُ الوالهينَ إلى معنى الحقيقة ، فَنَكَصَت على أدْبَارِهَا وَأَجْفلَتْ النَّظَر ، وسَكَنَت إلى دَارِهَا فَلَم تَعْرِفِ الخَطَر ، فَجَاءهمُ العذَابُ بَغْتَه ، وَأَحَلَّ اللهُ عَلَيْهِمُ مَقْتَه ، ذَلك بَأنهم قَالوا لَنْ تَمَسَّنا النَّارُ إلا أيَّامَاً مَعْدُودَات وَغَرَّهم فَي دِينهِم مَا كَانُوا يَفْتَرُون ، أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنون ، أنه السحر الذي سلَب قلوب المسلمين ، وخطَفَ عقول العامّة ، فتعلَّقت القلوب به ، واستشرى شرُّه وقد قال رسول الله
: ” ليس منّا مَنْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لهُ أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَه. معنى “سُحر له” أي طَلَبَ مِنْ آخَر أن يعمل له سحرًا . وقال الله تعالى 🙁 وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) (3) ويقول القرطبي في تفسير الآية:

” ولا ينكر أن السحر له تأثير في القلوب، بالحب والبُغْض، وبإلقاء الشرور حتى يفرّق الساحر بين المرء وزوجه، ويحول بين المرء وقلبه، وذلك بإدخال الآلام وعظيم الأسقام، وكل ذلك مدرك بالمشاهدة وإنكاره معاندة ” أ.هـ.

وقال: ” من أتى عرافاً فسأله عن شئ لم تقبل له صلاة أربعين ليلةً ” أخرجه مسلم وقال: ” من أتى كاهناً أو ساحراً فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد ” صحيح أخرجه البزار ، وفي حديث أبي هريرة  المتفق عليه وعدَّ النبي: (السحرَ أحدَ الموبقاتِ السبعِ الكبرى، والجرائمِ المهلكاتِ العظمى ) .

ولكن مع كل هذه النصوص الصريحة الصحيحة إلا أنه مازال في القلوب شيء لا تعرف حقيقته ولا يردعها عن الرجوع عنه وقد قال الله تعالى 🙁وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) .(4) ولكن الناس تخاف من السَّحرة مع تعلقهم بالله سبحانه وتعالى

( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ ) (5)  ولهذا جعل الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب أنَّ من أنواع الطواغيت الخمسة الكبار أي رؤساء الطواغيت الكبار ومنها (من ادعى شيئاً من علم الغيب) .

فلا بد على المسلم الواثق بربه المتيقن بنصره وحفظه أن يتوكّل على الله غاية التوكل ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) يعني هو كافيه ، وكلما زاد توكّل العبد وزاد فأله بربِّه كان الرَّجاء أقرب .

ولكن على المسلم أن يقيَ نفسَه من السَّحر ويقيَ أهلهُ ومن أشدّ الأمور التي تقِي من السَّحر بعد الله هيَ ذكرُه . إنَّها الأذكار فمن لزِم ذكر الله في الصباح وفي المساء ، وفي الغدوِّ والرَّواح ، كان له من الله الحفظ ونعم المولى ونعم النَّصير وقد جعل الله لكل شيء سبباً ، وجعل سبب المحبة دوام الذكر ، فمن أراد أن ينال محبة الله عز وجل ، فليلهج بذكره سبحانه ، فالذكر باب المحبة ، وشارعها الأعظم ، وصراطها الأقوم ،

قال تعالى 🙁فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) (6)

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في( الوابل الصيب من الكلم الطيب ) أن للذكر أكثر من مائة فائدة . وذكر منها :

أ – أن الذكر يطرد الشيطان ويمنعه ويكسره .

ب- أنه يرضي الرحمن .

ج – أنه يزيل الهم والغم عن القلب .

د- أنه يجلب للقلب الفرح والسرور .

وقال تعالى(وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (7)

وقال : ” مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت ” رواه البخاري. وعند مسلم : ” مثل البيت الذي يُذكر الله فيه ، والبيت الذي لا يُذكر الله فيه ، مثل الحي والميت ” .

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : لكل شيء جلاء وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل فمن أفضل ما يقي الإنسان الشرور بإذن الله تعالى ، الأذكار والمحافظة عليها باستمرار .

فإذا تقرَّر هذا وجَب على المسلم العمل به والسَّير على نهجه ، وأيضا على المسلم أن يبيَّن آثار السِّحر والسَّحرة على الناس وأن يجلِّي خطر السَّحر ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) .(8)

وأخيرا : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)(9)

 كتبه د/ سعد بن عبدالله السبر

8/8/1430
__________________________

(1)سورة آل عمران ، آية : 102 .
(2) النساء ، آية :1
(3)سورة البقرة، الآية102
(4) سورة يونس ، الآية 106
(5) سورة الزمر الآية 36-37
(6) سورة البقرة ، الآية 152
(7)سورة الاحزاب ، الآية35
(8)سورة آل عمران ، الآية110
(9) سورة ق ، الاية 37

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى