خطب الشيخ سعد السبر

الصلاة وما ملكت إيمانكم – خطب الجمعة

شبكة السبر – خطب الجمعه

كتبه د/  سعد بن عبدالله السبر
18/8/1428

إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة وجعل أمتنا من خير أمة وبعث فينا رسولا منا يتلو علينا آياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة أحمده على نعمه الجمة وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له شهادة تكون لمن اعتصم بها خير عصمة وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله للعالمين رحمة وفرض عليه بيان ما أنزل إلينا فأوضح لنا كل الأمور المهمة صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة تكون لنا نورا من كل ظلمة وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي نجاة من نار تلظى وأمان يوم الحسرة والندامة ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (1)

أيها الناس إن الصلاة عماد الدين وعصام اليقين وراس القربات وباب للدخول على رب البريات صلة بين العبد وخالق السموات وتفريجٌ للكربات وإجابة للدعوات وراحةٌ في الخلوات ¸أمن وراحة فأرحنا بها يابلال وليست هم وغم نريد طرحه والهرب منه فأصبحنا لها مضيعين وعن أركانها وواجباتها وسننها غافلين ولخيرها قالين ولخيرها تاركين ومن أثرها محرومين حياة بعض الناس ماديةٌ تغلب على كل شئ فأي أمن نريد وراحة للقلوب والأنفس ونحن نُضيع الصلاة كان أبو بكر رضي الله عنه يقول‏:‏ اذا حضرت الصلاة قوموا الى ناركم التي اوقدتموها فاطفئوها‏ وقال ابن مسعود رضي الله عنه وسلمان رضي الله عنه‏:‏ الصلاة مكيال فمن اوفى استوفى ومن طفف فقد علم ما قاله الله في المطففين‏. قال ابو هريرة رضي الله عنه‏:‏ من توضا فاحسن وضوءه ثم خرج عامداً الى الصلاة فانه في صلاة ما كان يعمد الى الصلاة وانه يكتب له باحدى خطوتيه حسنة وتمحى عنه بالاخرى سيئة فاذا سمع احدكم الاقامة فلا ينبغي له ان يتاخر فان اعظمكم اجراً ابعدكم داراً قالوا لم يا ابا هريرة قال‏:‏ من اجل كثرة الخطا‏.‏ ويروى ‏”‏ ان اول ما ينظر فيه من عمل العبد يوم القيامة الصلاة فان وجدت تامة قبلت منه وسائر عمله وان وجدت ناقصة ردت عليه وسائر عمله وقال بكر بن عبد الله‏:‏ يا ابن ادم اذا شئت ان تدخل على مولاك بغير اذن فتكلمه بلا ترجمان دخلت قيل‏:‏ وكيف ذلك قال‏:‏ تسبغ وضوءك وتدخل محرابك فاذا انت قد دخلت على مولاك بغير اذن فتكلمه بغير ترجمان‏

أيها المؤمنون فُرضت ليلة الأسرى من غير ترجمان آخر الوصايا وأفضل العطايا وسبب لتنجب الرزايا من نبينا محمد (الصلاة وما ملكت أيمانكم) في فراش موته يُوصي بالصلاة وقال سعيد بن المسيب‏:‏ ما اذن مؤذن منذ عشرين سنة الا وانا في المسجد‏.‏ وقال محمد بن واسع‏:‏ ما اشتهي من الدنيا الا ثلاثة‏:‏ اخاً ان تعوجت قومني وقوتاً من الرزق عفواً من غير تبعة وصلاة في جماعة يرفع عني سهوها ويكتب لي فضلها‏.‏

وأما حال الناس في عصرنا تفريط وتضييع إما تأخير للصلاة عن وقتها والله يقول إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا فهؤلاء يُقال لهم (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)(2) وغيا واد في جهنم وحال بعضنا كحال المنافقين في صلاتهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس النساء فويل للمصلين و روى ابو هريرة انه فقد ناساً في بعض الصلوات فقال ‏”‏ لقد هممت ان امر رجلاً يصلي بالناس ثم اخالف الى رجال يتخلفون عنها فاحرق عليهم بيوتهم ‏”‏ وفي رواية اخرى ‏”‏ ثم اخالف الى رجال يتخلفون عنها فامر بهم فتحرق عليهم بيوتهم بحزم الحطب ولو علم احدهم انه يجد عظماً سميناً او مرماتين لشهدها ‏”‏ يعني صلاة العشاء‏.‏

وقسم آخر من الناس مضيع لها بالكلية فهؤلاء خارجون من الملة كفار فقد وردت أحاديث متعددة تدل على أن من تركها فقد خرج من الإسلام ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي قال (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) وروى مثله من حديث بريدة وثوبان وأنس وغيرهم وخرج محمد بن نصر المروزي من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي قال (لا تترك الصلاة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد خرج من الملة ) وفي حديث معاذ رضي الله عنه عن النبي (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة )فجعل الصلاة كعمود الفسطاط الذي لا يقوم الفسطاط إلا به ولا يثبت إلا به ولو سقط العمود لسقط الفسطاط ولم يثبت بدونه وقال عمر رضي الله عنه لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة وقال سعد رضي الله عنه وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه من تركها فقد كفر وقال عبدالله بن شقيق كان أصحاب رسول الله لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر إلا الصلاة وقال أبو أيوب السختياني ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه وذهب إلى هذا القول جماعة من السلف والخلف وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق وحكى إسحاق عليه إجماع أهل العلم وقال محمد بن نصر المروزي هو قول جمهور أهل الحديث قال ابن عباس رضي الله عنهما من سمع المنادي فلم يجب لم يرد خيراً لم يرد به خير‏ وقال أبو هريرة رضي الله عنه‏:‏ لان تملا اذن ابن ادم رصاصاً مذاباً خير له من ان يسمع النداء ثم لا يجيب‏.‏

عباد الله ميزان الصلاة عندنا أصبح خفيفا لايهم أن يمر الوقت ولانصلي إلا متأخرين تفوتنا الركعة والركعتان والصلاة ونقضي بل إن بعض الناس لايصلي إلا في الجماعة الثانية سواء تأخرت إقامة الصلاة أو تقدمت وبعض الناس لو تقدم للصلاة لم يخشع وأشغل قلبه أو تكلم بالغيبة في المساجد والنميمة ورد في الاثر او الخبر ‏”‏ الحديث في المسجد ياكل الحسنات كما تاكل البهائم الحشيش , وبعضنا يصلي في المسجد وأبناؤه نائمون وعن صلاتهم ساهون لاهون ,وأما سلفنا فكان ميزان الصلاة عندهم عظيما لأنها أهم عندهم من الدنيا ومافيها يقدرون لها قدرها ويحافظون على حقها ومستحقها عن عائشة رضي الله عنها قالت ‏”‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه فاذا حضرت الصلاة فكانه لم يعرفنا ولم نعرفه ‏”‏ وكان الصديق رضي الله عنه في صلاته كانه وتد‏ وابن الزبير رضي الله عنه كانه عود وبعضهم كان يسكن في ركوعه بحيث تقع العصافير

هذه حالهم في أثناء الصلاة وبعض الناس لايتم ركوعه ولاسجوده وينقر صلاة نقرا كأنه يساق إلى الموت وهو ينظر كان يوسف بن اسباط يقول‏:‏ يا معشر الشباب بادروا بالصحة قبل المرض فما بقي احد احسده الا رجل يتم ركوعه وسجوده وقد حيل بيني وبين ذلك‏.‏ وبعض الناس إذا دخل في الصلاة جاءته الأشغال وتفتحت له الهموم وخرج قلبه من الصلاة فأين هم من حال سلفنا كان علي بن ابي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه اذا حضر وقت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه فقيل له‏:‏ ما لك يا امير المؤمنين فيقول جاء وقت امانة عرضها الله على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملتها‏.‏

وقيل لخلف بن ايوب‏:‏ الا يؤذيك الذباب في صلاتك فتطردها قال‏:‏ لا اعود نفسي شيئاً يفسد على صلاتي قيل له‏:‏ وكيف تصبر على ذلك قال‏:‏ بلغني ان الفساق يصبرون تحت اسواط السلطان ليقال فلان صبور ويفتخرون بذلك فانا قائم بين يدي ربي افاتحرك لذبابة ويروى عن مسلم بن يسار انه كان اذا اراد الصلاة قال لاهله‏:‏ تحدثوا انتم فاني لست اسمعكم‏ ,وقال سعيد بن جبير‏:‏ ما اسى على شيء من الدنيا الا على السجود

إخوة الدين وأما حالهم إذا فاتتهم تكبيرة الإحرام والجماعة حال فيها العجب والحيرة كانوا يتحسرون ويتألمون ويندمون وتضيق عليهم الأرض بما رحبت حتى أن الصلاة عندهم أفضل من أموالهم وأبنائهم قال حاتم الاصم‏:‏ فاتتني الصلاة في الجماعة فعزاني ابو اسحق الباري وحده ولو مات لي ولد لعزاني اكثر من عشر الاف لان مصيبة الدين اهون عند الناس من مصيبة الناس‏ أي أن الناس حرصون على تعزيته في وفاة ابنه وليسوا بحريصين على تعزيته في فوت الصلاة .‏

وروي ان ميمون بن مهران اتى المسجد فقيل له‏:‏ ان الناس قد انصرفوا فقال ‏”‏ انا لله وانا اليه راجعون ‏”‏ لفضل هذه الصلاة احب الي من ولاية العراق‏

وروي ان السلف كانوا يعزون انفسهم ثلاثة ايام اذا فاتتهم التكبيرة الاولى ويعزون سبعاً اذا فاتتهم الجماعة‏.‏ فأين من يتأخر عن تكبيرة الإحرام وتفوته الجماعة ويظن أنه على خير فليبكي على نفسه وحاله

أيها المسلمون واذا انتهت الصلاة خرجنا وقلوبنا مستمرة في غفلتها كأننا لم نصلي فنعود لسابق عهدنا نقارف الذنوب ونعكف على المعاصي ونعصى علام الغيوب ومقلب القلوب إلا من رحم الله (أَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ )(3) فمن كان قلبه فارغا لم تنهه صلاة عن المنكر ولم تأمره بمعروف

وأما سلفنا فكانت أحوالهم تتبدل وتتغير ويرى الناظر للصلاة عليهم أثرا يرى خيرا فعالا للمعروف وتركا للمنكر امتثلا لأوامر الله ورسوله وتركا لنواهي الله ورسوله كان يحيى بن وثاب اذا صلى مكث ما شاء الله تعرف عليه كابة الصلاة‏.‏
_________________________________

(1) سورة آل عمران : آية : 102 .

(2) سورة مريم : آية :59

(3) سورة العنكبوت : آية :45

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى