حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا الدكتور سعد السبر

الحمد لله كل شيء هالك إلا وجهه، أحمده سبحانه وأشكره على جزيل نعمه، وأشهد أن لا إله إلا الله……أما بعد  فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي خير لباس  وخير سترمن الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ([1]) .
أيها المؤمنون: إن الله سبحانه وتعالى وتعالى بمحاسبة أنفسنا والاستعداد للدار الآخرة{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ([2])  قال قتادة: ما زال ربّكم يقرّب السّاعة حتّى جعلها كغد ([3]).قال ابن سعدي رحمه الله: هذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه، وأنه ينبغي له أن يتفقدها، فإن رأى زللا تداركه بالإقلاع عنه، والتوبة النصوح، والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه، وإن رأى نفسه مقصرا في أمر من أوامر الله، بذل جهده واستعان بربه في تكميله وتتميمه، وإتقانه، ويقايس بين منن الله عليه وإحسانه وبين تقصيره، فإن ذلك يوجب له الحياء بلا محالة.
أيها الموحدون: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالزهد في الدنيا والرغبةِ في الآخرة و الإستعدادِ لها، وأخبرنا: بأن حججَ اللهِ قامت على من بلغ الستين، وأن أعمار أته بين الستين والسبعين، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ، حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً» ([4]).وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:« أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ، إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ» ([5]).أيها المسلمون: إن عمر الإنسان كله للعبادة ،  قال الله تعالى :تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) ([6]).قال الطبري رحمه الله: يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: واعبد ربك حتى يأتيك الموت، الذي هو مُوقَن به ([7]).وقال الله عز وجل : {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: 37] : «يَعْنِي الشَّيْبَ» ([8])،فعلينا محاسبة أنفسنا ،حتى تعرف ما لها وما عليها. ولا يدعها تسترسل في الحقوق استرسالا، فيضيعها ويهملها، وأيضا فإن زكاتها وطهارتها موقوف على محاسبتها. فلا تزكو ولا تطهر ولا تصلح ألبتة إلا بمحاسبتها ([9]).قال ابن القيم رحمه الله: في محاسبة النفس عدة مصالح منها: الاطلاع على عيوبها، ومن لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته، فإذا اطلع على عيبها مقتها في ذات الله تعالى. وقد روى الإمام أحمد عن أبى الدرداء رضي الله عنه قال: “لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا”. وقال مُطرِّف بن عبد الله: “لولا ما أعلم من نفسي لقَليْتُ الناس” وقال مصرف في دعائه بعرفة: “اللهم لا ترد الناس لأجلى”. وقال بكر بن عبد الله المزني: “لما نظرت إلى أهل عرفات ظننت أنهم قد غفر لهم، لولا أني كنت فيهم”. وقال أيوب السختياني: “إذا ذكر الصالحون كنتُ عنهم بمعزل”([10]). قال بعض السلف: كان أحدهم يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك لشريكه  ([11]).عباد الله قال أبو الدرداء والحسن رضي الله عنهما: إنما أنت أيام كلما مضى منك يوم مضى بعضك. ما الحيلة فيمن سبق عليه الشقاء في الكتاب المسطور: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]ـ{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} ([12]) ([13])  .
(([1]  سورة آل عمران، آية:102.
(([2] سورة الحشر، آية:18.
([3] ) إغاثة اللهفان- ابن القيم (1/ 101) .
(([4] رواه البخاري  بَابُ مَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً، فَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي العُمُرِ حديث رقم 6419صحيح البخاري (8 / 89)
(([5] رواه ابن ماجه بَابُ الْأَمَلِ وَالْأَجَلِ  حديث رقم 4236 سنن ابن ماجه (2 / 1415)  [حكم الألباني] حسن صحيح
(([6] سورة الحجر، آية:99.
(([7] تفسير الطبري (17 / 159).
(([8] رواه البخاري  بَابُ مَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً، فَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي العُمُرِ حديث رقم 6419صحيح البخاري (8 / 89)
([9]) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2 / 477)
([10]) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1 / 84).
([11]) قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد (1 / 156).(([12] سورة النور ، آية: 40.(([13] لطائف المعارف لابن رجب (ص: 304)