خطب الجمعهخطب الشيخ سعد السبر

القيض والصيف ونار جهنم – خطب الجمعة

شبكة السبر – خطب الجمعه

كتبه د/  سعد بن عبدالله السبر
18/6/1427

إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله

الحمد لله حرم على النار كلَ هينٍ، لينٍ، سهلٍ، قريبٍ من الناس ورفع عن الموحدين البأس أحمد سبحانه وأشكره على نعمةِ الإيمانِ والتقوى وحُسنِ اللباس وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وفي أسمائه وصفاته وأشهد أن محمدا عبدُهُ ورسوله حذرنا نارا تلظى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي تقي سموم جهنم وحرِها( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) .(1)

عباد الله، إن الزمان بليله ونهاره، وشهوره وأعوامه آية من آيات الله تبارك وتعالى التي نصبها للعباد ذكرى وموعظة، بما أهلك الله فيها من القرون، وما دمر من الأمم المكذبة لرسله المبتعدة عن سبيله وشرعه. وكم ضرب الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز من الأمثال، وذكر من الآيات لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرى، بالريح العقيم، والطوفان، والجراد والقمل، والضفادع، والدم، آيات مفصلات.

ومع ذلك كله فإن كثيراً من الناس لا يزيدهم تعاقب الليل والنهار، وتتابع الشهور والأعوام إلا بعداً وإعراضاً عن الله غرَّهم الإمهال، وخدعهم التسويف والأمل، وما أوجد الله على أيديهم من وسائل مخترعة لتحقيق السعادة والراحة الدنيوية، (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَـٰفِلُونَ)(2)

أيها الناس، إن اشتدادَ الحرِ هذه الأيام من جملة الآيات الكونية التي يخوف الله تعالى بها العباد، ويخطئ كثيراً من الناس عندما ينسبون شدة الحر أو البرد للشمس أوالشهور ويقول: إن تأثيراً لها في خلق الله، بل هي خلق من خلق الله تعالى جعلها مواقيت للناس، ليعلموا عدد السنين والحساب، (هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَاء وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقّ يُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ إِنَّ فِى ٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ لآيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ)(3)

أيها المسلمون، من أين يأتي هذا الحر؟ لعل كثيراً من المسلمين تخفى عليهم هذه الحقيقة التي أخبرنا عنها الصادق المصدوق محمد بن عبد الله وهي أن هذا الحر الذي نجده في الصيف إنما هو من فيح جهنم، أعاذنا الله وإياكم منها، وهذا يدل على أن جهنم مخلوقة الآن، وهي تنتظر سكانها، نسأل الله العافية. روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: ((اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير)) وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي أنه قال: ((إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)) وإذا كان هذا الحر الشديد الذي يعيقك أخي المسلم عن أشياء كثيرة إنما هو نفسٌ أُذن لجهنم أن تتنفس، فكيف بجهنم نفسِها وقد ذكر الله عنها ما ذكر كقوله تعالى: (إِذَا أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقًا وَهِىَ تَفُورُ ، إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) (4) عن الحسن البصري قال : من كانت له أربع خلال ، حرمه الله على النار ، وأعاذه من الشيطان : من يملك نفسه عند الرغبة ، والرهبة ، وعند الشهوة ، وعند الغضب عن الفضيل بن عياض قال : أشرفت ليلة على علي وهو في صحن الدار ، وهو يقول : النار ، ومتى الخلاص من النار ؟ . عن عبد الله بن وهب ، أنه قرأ كتاب الأهوال ، فمر في صفة النار ، فشهق ، فغشي عليه ، فحمل إلى منزله ؛ وعاش أياماً ، ثم مات

عن أبي عمران الجوني : ( وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً )(5) قال : سجناً ومحبساً

وعنه قال : لم ينظر الله إلى إنسان قط ، إلا رحمه ؛ ولو نظر إلى أهل النار ، لرحمهم ؛ ولكن قضى : أن لا ينظر إليهم

عن ابن أبي الهذيل قال : لقد شغلت النار ـ من يعقل ـ عن ذكر الجنة

وعلى الذين يهربون من هذا الحر الدنيوي أن يفكروا بعقولهم، فمن الغباء أن يهرب الإنسان من الأخف إلى الأشد، وصدق الله جل جلاله إذ يقول: (وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِى ٱلْحَرّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ تفر من الهجير وتتقيه)(6)

فهلا عن جهنم قد فررنا

ولست تطيق أهونها عذاباً *** ولو كنت الحديد بها لذبتا

إذاً، اشتداد الحر في هذه الحياة إنما هو من نَفَس النار، من شدة حرها، يخوف الله تعالى به عباده، ويذكر به من يتذكر ليتعظوا وينـزجروا عما هم فيه من غفلة وإعراض عن الله تعالى. ولذلك عباد الله ترونه يختلف من سنة إلى أخرى، ومن عام إلى آخر، وكل ذلك بقدر بعد العباد عن الله أو قربهم منه سبحانه، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً)(7)

أيها المؤمنون، ما عبد الله عز وجل بمثل الخوف منه، من عقابه وناره وغضبه. قال أبو سليمان الدراني رحمه الله: “أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله عز وجل، وكل قلب ليس فيه خوف لله فهو قلب خرب”.

ولقد حذر الله عباده من النار، وكرر الوعيد بها، وضرب لها من الأمثال في كتابه العزيز وعلى لسان رسوله الأمين صلوات الله وسلامه عليه ما تشيب منه الولدان، وتتقطع منه القلوب والأفئدة، ولكن أين المعتبرون؟ وأين الخائفون من الله حق خوفه؟.

هل انتبهت من نومها القلوب الغافلة؟ وهل ثابت إلى رشدها النفوس السادرة؟ أين الخوف من النار الذي أخاف الملائكة المقربين كما في قول الحق سبحانه وتعالى: وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّى إِلَـٰهٌ مّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلظَّـٰلِمِينَ وأين الخوف من النار الذي لحق الأنبياء والمرسلين في قوله تعالى: (ذٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءاخَرَ فَتُلْقَىٰ فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا وأين الخوف من النار الذي أقضّ مضاجع الصالحين كَانُواْ قَلِيلاً مّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِٱلأَسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ)(8)

ما أنذر العباد رعاكم الله بشيء أشر من النار، النار موحشة، أهوالها عظيمة، وأخطارها جسيمة، وعذابها أبداً في مزيد، (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ. يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ) (9) كلما خبت زادها الله سعيراً. قال رسول الله : ((إن الصخرة العظيمة لتلقى من شفير جهنم فتهوى فيها سبعين عاماً ما تقضي إلى قرارها))، قال عمر رضي الله عنه وهو راوي الحديث: (أكثروا ذكر النار، فإن حرها شديد، وقعرها بعيد، وإن مقامها حديد). عن عبدة بن أبي لبابة قال : إن ناركم هذه لتتعوذ بالله من نار جهنم

عن سفيان بن عيينة قال : خلقت النار رحمة ، يخوف بها عباده ، لينتهوا

عن بلال بن سعد ـ وذكر الغساق ـ قال : لو أن قطعة منه وقعت إلى الأرض ، لأنتنت ما فيها

عن كعب الأحبار قال : إن في جهنم برداً ـ هو : الزمهرير ـ ، يسقط اللحم عن العظم ؛ حتى يستغيثوا بحر جهنم

قال كعب الأحبار : والذي نفس كعب بيده ، لو كنت بالمشرق ، وكانت النار بالمغرب ، ثم كشف عنها : لخرج دماغك من منخريك من شدة حرها ؛ يا قوم ، هل لكم بهذا إقرار ؟ أم : هل لكم على هذا صبر ؟ يا قوم ، طاعة الله أهون عليكم ، فأطيعوه وعنه في قوله تعالى : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ ) قال : كان إبراهيم إذا ذكر النار قال : أوه من النار ، أوه من النار

إخوة الدين، إن الناس كلهم حريصون على راحة أنفسهم وأهليهم، يوفرون لهم الوسائل الواقية من الحر والبرد، وإذا ما اشتدت عليهم سموم الحر رأيناهم يتنقلون إلى المصائف والمنتجعات الباردة في أنحاء العالم، وكم هو عظيم الأسى عندما نرى أكثرهم لا يقيم وزناً لنار جهنم، ولا يعمل على وقاية نفسه ومن تحت يده منها، والله عز وجل قد خاطب عباده المؤمنين وحذرهم منها بقوله: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَـئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)(10)

وإن من علامات الشقاوة العمل للدنيا والإعراض عن الآخرة.

تفر من الهجير وتتقيه فهلاً من جهنم قد فررتا

أخي إن الخطر عظيم والبدن ضعيف، والموت منك قريب، والله جل جلاله مطلع عليك

أفلا تستحِ ، إلا تـُجـِلُّه ؟ ، أم أنك تستخف بنظره إليك، و تستهين بمعصيته.

“لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمة من تعصيه إنه الله جل جلاله

وتقدست أسماؤه و اكتملت صفاته. فإنك لا طاقة لك بغضبه ولا قوة لك بعذابه

ولا صبر لك على عقابه، فتدارك نفسك قبل لقائه لعله أن يرحمك ويتجاوز عنك

فكأنك بالموت قد نزل بك ، وحينها لا ندم ينفعك ولا لما مضى استدراك

فلا تؤجل التوبة و عجل بها فالله يقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) (11)

( رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً  إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً) (12)

أيها المسلمون، إن هذا الحر ابتلاء من الله عز وجل لعباده المؤمنين من جهة وعقوبة للعاصين من جهةٍ أخرى، وقد ابتلى الله المؤمنين بالحر في غزوة تبوك، وفيها نزلت الآية: (وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِى ٱلْحَرّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) فقد حاول المنافقين أن يعتذروا عن ترك الجهاد في سبيل الله لشدة الحر فقال الله: (وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِى ٱلْحَرّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) أما كون هذا الحر عقوبة، فهذا لا شك فيه عند من يفقه نصوص الكتاب والسنة، فإن الله عز وجل يعاقب عباده بأشياء كثيرة مما يكرهون، قال الله تعالى: (وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ) وبعض الجهلة من المسلمين يقولون كيف يعاقبنا الله بهذا الجو الحار، ونحن مسلمون مقصرون، وكثير من الكفار ينعمون بالجو البارد والخضرة والماء ورغد العيش، وقد تولى الله عز وجل بيان هذه الشبهة وكشفها في قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَىْء حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ)(13)

ومن مظاهر كون هذا الحر عقوبة ما يحصل من موت كثير من الزروع والأشجار وموت بعض الأسماك وتلف بعض الآلات وإزهاق كثير من المرضى ممن لا يتحملون شدة الحر، وفوق ذلك كله الأموال الطائلة التي تنفق وتصرف لمقاومة الحر الشديد، لا سيما في الكهرباء.

ولا شك أيها الإخوة أن هذا يوجب علينا جميعاً سرعة الرجوع إلى الله والتوبة من كل المنكرات، فإن هذا الحر نذير خطر، وإن الله يمهل ولا يهمل، قال تعالى: (ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(14)

إخوة العقيدة، إن هذا الحر له غاية مهما طالت أيامه، فبعد الحر يأتي الجو البارد، وهكذا الدنيا لا يدوم لها حال، وهذا أعظم تنبيه للمسلم كي يدرك أن الشيء لا يدوم في هذه الدنيا، فالدنيا حر وبرد، غنى وفقر، قوة وضعف، عز وذل، صحة ومرض، حياة وموت، ضيق وفرج، وفي هذا تنبيه للظالم أن ينتظر دوران الدائرة عليه، وتسلية للمكروب المبتلى الذي ينتظر فرج الله، وكثير من المسلمين اليوم في بقاع شتى يعيشون ظلماً واضطهاداً ولا يعلم مداه إلا الله، فلهم بشرى فإن الحال لا تدوم.

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج

نفعني الله وإياكم…

الخطبة الثانية الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى يوم الدين

أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون أيها الأحبة ومع حر الصيف يعاني الفقراء والمساكين معاناة عظيمة وأنت ـ يا عبد الله ـ تنعم بالهواء البارد في بيتك ومكتبك وسيارتك، يعيش بعض جيرانك أو القريبون منك تحت سموم الحر والفواتير الحمراء تلوح في أيديهم ليس لهم إلا الله عز وجل، فكيف يهنأ المسلم برغد العيش وكثير من إخوانه على هذه الحال، ولعل مما ندفع به سخط الله عنا أن نكثر من الصدقة لهؤلاء الفقراء,وعلى جميع المسلمين أن يتقوا الله تعالى في إخراج الزكاة، فمن الملاحظ أن بعض التجار يفرطون في إخراج الزكاة إما بمنعها بالكلية أو بمنع بعضها أو بالتحايل في دفعها، وهذا مع كونه ذنباً عظيماً يوجب غضب الله، فإن الذي يذوق مررارته هم إخواننا المحتاجون الذين ابتلاهم الله بالفقر لا سيما الأيتام والأرامل وأصحاب الأعذار.

أيها الإخوة تصوروا لو انقطعت الكهرباء في هذه الأجواء وفي مثل هذه الأيام التي تصل فيها درجة الحرارة إلى الخمسين، فهل أدركنا نعمة الكهرباء أولاً، ثم إن الأصوات التي تدعو إلى الاقتصاد في الكهرباء أصوات ناصحة ولها مدخل شرعي لأن الإسراف مذموم، ولكن اعلموا ـ يا رعاكم الله ـ أن خير ما تحفظ به نعمة الكهرباء، إنما هو طاعة الله والكف عن معصيته. فهل من شكر نعمة الكهرباء أن تستخدمها في الحرام؟ هل من شكر نعمة الكهرباء أن نشغل بها الدشوش والأجهزة المحرمة، وأن نسخر هذه النعمة في معصيته، وكيف يشكر النعمة مسلم جلس في غرفة مكيفة ينظر إلى محرم ويستمع إلى الحرام ويلوك بلسانه الحرام. نسأل الله الهداية للجميع ..

وأخيراً ـ يا عبد الله ـ إنك ضعيف، جسمك ضعيف لا تغتر ببعض القوة والصحة التي تمر بها، لو أصابك فقط مرض الأنفلونزا لسقطت طريح الفراش لأيام، فأنت ضعيف لا تتحمل الحر ولا تستطيع أن تعيش في الحر. هل فكرت في نفسك إذا وضعت في قبرك وأهالوا عليك التراب ثم ردت عليك روحك وجاءك الحر الحقيقي هناك، وربما دخل عليك شيء من لفيح جهنم فماذا تفعل؟ لا نتحمل بعض الحر في الدنيا، فكيف بحرّ وضم وعذاب القبر؟ ثم هل فكرت إذا أصابك لفح الحر هنا في الدنيا أرض المحشر؟ والشمس ارتفاعها من رأسك قدر ميل، والخلائق يحطم بعضهم بعضاً، وهم يسبحون في عرقهم حسب أعمالهم، فمنهم من عرقه يصل إلى ركبتيه، ومنهم عرقه يصل إلى حقويه، ومنهم عرقه يصل إلى أذنيه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً. أين ذلك الحر مما لا نتحمله هنا في الدنيا، فأنت أنت ضعيف يا عبد الله، انتبه لنفسك واعمل لآخرتك، ولا تسرف في المعاصي، فإن العمر قصير والبدن ضعيف والنار محرقة.

اللهم رحمة اهد بها قلوبنا…

_________________________________________

(1) آل عمران  : 102 .

(2) الروم : 7

(3) يونس :5

(4) الملك :7

(5) الاسراء : 8

(6)سورة التوبة :81

(7) يونس :82

(8)الاسراء :39
(9) القمر : 46-47

(10) التحريم :6

(11)فاطر :5
(12) الفرقان :65
(13) الانعام :42
(14)الروم :41

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى