خطب الجمعهخطب الشيخ سعد السبر

حي على الجهاد – خطب الجمعة

كتبه د/  سعد بن عبدالله السبر

إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله
خطب الجمعه

الحمد الله يرفع من يشاء ويذل من يشاء ويبتلي من يشاء ويعز من يشاء ويبسط الرزق لمن يشاء من عباده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته له الأٍسماء الحسنى والصفات العليا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ابتلاه ربه فصبر وأعطاه ربه فشكر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير البشر وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي سلوة وقت البلاء ودرع من الشبهات وحاجز من الشهوات

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران :102)

أيها المؤمنون ونحن نعيش في هذه الأيام التي طابت فيها الثمار وبدأ الليل بالجمال وطاب الجلوس بالظل واشتاقت الأنفس للتنزه مع الأولاد والبنات وتنوعت الفواكه وكثر الرُطب وتعدد أنواعه وفاحت رائحة الأزهار وبدأ يحصد الزراع ما زرعوا ويتهيأ للشتاء الناس في مثل هذه الحال من أنواع الأغذية والأطعمة فالناس غارقون وفرحون بطيب الثمر وكثرته وجمال الرطب ووفرته وكلٌ يريدون فرحة وجلوسا مع أٍسرته

ينادي منادي الجهاد حي على الجهاد حي على الجهاد حي على الجهاد

ينادي منادي خير البرية وأزكى الأنفس البشرية وأفضل الناس ينادي للجهاد لا إله إلا الله كيف هي حال الأنفس تُريد جلوسا وفرحا وسرورا بالثمار الحرُ شديد والصحراء حارة (وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) (سورة التوبة :81) الرسول يُريد جنة عرضها السموات والأرض ؟؟ فما هي الأنفس التي ستطيع ؟؟

لاشك أنفس مؤمنةٌ تقيةٌ نقيةٌ لا تريد إلا رضى الله ورسوله وجنته , ولكن نحن دُعينا لصلاة الفجر وأُمرنا بترك الربا والقنوات والسحر فلم نستجيب فشتان ما بيننا وبينهم

أيها المسلمون كان إذا أراد غزوا أخبر بقصده لجهة أخرى خوفا من الجواسيس إلا هذه المعركة أخبر الناس بقصده ووجهته ليتأهبوا ويستعدوا

لأن الروم خافوا أمر النبي وانتشاره فأرادوا قتله والقضاء عليه فعزم صلى الله عليه على مبغاتتهم فخير الدفاع الهجوم والحرب خِدعة وليست الحرب راحة ودعة , وزمرٌ وطرب , فالعدو يُعد العدة , ويتحين الفرصة ,فمتى يأخذ المسلون الأهبة ؟؟

أخبر نبي الأمة بقصده ووجهته لأن العدو قوي شديد ولكن الله قوي لا غالب له

إن تنصروا الله ينصركم إن ينصركم الله فلا غالب لكم

أراد بأبي وأمي أن يتأهب أصحابه ويكون على أعلى درجة من الاستعداد

أيها الأحبة و يخرج ويستخلف على أهل بيته عليًا رضي الله عنه، ويخيم في ثنية الوداع و معه ثلاثون ألفًا، و يأتي المنافقون الذين لا يتركون دسائسهم و إرجافهم على مر الأيام، يلاحقون أهل الخير والاستقامة، يلمزون ويهمزون ويتندرون ويسخرون، سخر الله منهم، و يستهزئون، و الله يستهزئ بهم.

و قبل مسيره تقوم فرقة للصَدِّ عن سبيل الله، تُثبِّط الناس بعد أن اجتمعوا في بيت أحدها، تقول- و هي تزهد في الجهاد- : لا تنفروا في الحَرِّ، تشكك في الحق، وترجف برسول الحق، وتُحاول صد الناس ولازالت هذه حالهم طعن في الخير وتنفير منه ويريدون إدخال الوهن على أهل الخير يحاولون قذفهم وتفريق صفهم ويحاولون ويريدون ولكن هيهات لأن العاقبة للمتقين فيتولى الحق الرد (وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ) .

مؤامرة وتخطيط للصَدِّ عن سبيل الله، ويأمر بإحراق البيت عليهم، ويُنَفِّذُ ذلك الأمر طَلْحَةُ، فيقتحمون الأسوار خوفًا من نار الدنيا، فتنكسر رِجل أحدهم، و يفِرُّ الباقون، و يَعِزُّ جُنْد الحق رغم أنوفهم، و يخيب كل منافق خَوَّان , ولكن في الآخرة هل سيفزون ويفرحون بجنات النعيم ؟؟؟؟؟ بل سيقولون وما أضلنا إلا المجرمون

إخوة الدين ويسير و يمر بديار ثَمُود، ديار غضب الله على أهلها، فتلك بيوتهم خاوية، و آبارهم معطَّلة، و أشجارهم مقطَّعة، فيدخلها وقد غطَّى وجهه، وهو يبكي، ويقول لجيشه: رواه البخاري ومسلم .

يا لله !! هذه أرض سكنها الظَلَمَة، فقولوا لي بالله .. فيمن يجالس الظَلَمَة، و يؤيد الظَلَمَة، و يركَن إلى الظَلَمَة، و يكون لهم أنيسًا و لسانًا و صاحبًا ويخوض معهم في خوضهم ويسخر معهم من دين الله والمؤمنين كما يسخرون ويصفونهم بأبشع الأوصاف وأقبح الألفاظ.. كيف يكون حاله؟! ألا يخاف أن يغضب الله عليه ؛ فيأخذه أخذ عزيز مقتدر (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) أين من أحب الغرب وركن إلى الظلمة ماذا ينتظر ؟؟؟؟.

لازال في طريقه إلى تَبُوك، قد بلغ به الجوع والتعب والإرهاق مبلغًا عظيمًا، لكن في سبيل الله يهون، و مع السَّحَرِ ينام من التعب على دابَّتِه حتى يكاد يسقط- كما في صحيح مسلم- فيقترب منه أبو قتادة، فيَدْعَمَه بيده حتى يعتدل، ثم يميل مَيلةً أخرى، فيدعمه أبو قتادة حتى يعتدل، ثم يميل مَيلة أشَدَّ من المَيلتين الأُولَيين، حتى كاد يسقط، فيدعمه بيده، فيرفع رأسه ويقول: قال : أنا أبو قتادة، فيُكَافِئَه ، فبمَّ كافأه ؟ قال: . يقول أهل العلم: فوالله مازال أبو قتادة محفوظًا بحفظ الله في أهله وذريته ما أصابهم سوء حتى ماتوا، وهذا درس عظيم، فإن من حفظ الله؛ حفظه الله فلا خوف عليه، إن صنائع المعروف تقي مصارع السوء .

وينتهي المسير بمحمد إلى تبوك، ويقيم بضع عشر ليلة ويدنو من الروم ويفزعهم، ويكاتب رسلهم، و يفرض عليهم الجزية، و هم صاغرون، ولم يلق كيدًا منهم؛ لأن الله قد نصره بالرعب مسيرة شهر، فلم يقرب إليه الروم خوفًا وفزعًا، وقد كانوا قبل قد عزموا على غزوه في عقر داره ( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ) .

ويرسل خالدًا على رأس أربعمائة مجاهد في سبيل الله إلى أُكيْدِر ملك دومة الجندل، و يخبر خالدًا أنه سيلقاه يصيد بقر الوحش، فخرج خالد، ولما بلغ قريبًا من حصنه، وجده قد خرج للصيد كما أخبر، فتلقته خيل الله بقيادة خالد، فاستأ سرته، واستلب خالد منه قميصًا مخوصًا بالذهب، و بعث به إلى رسول الله قبل قدومه عليه، فجعل المسلمون يتعجبون منه، فقال   مُزهِّدًا لهم في زخرف الدنيا- : رواه البخاري ومسلم. أما نحن فأعجبتنا زهرة الحياة الدنيا وركنا إلى الغرب وتقنياته ولذنا بحضارتهم ونسينا الجنة ومافيها !!

قدم خالد بالأكيدر، وحقن دمه و ضرب عليه الجزية، ولكنه مجرم، ولو علم الله فيه خيرا لأسمعه، نقض العهد في عهد أبي بكر، فقتله خالد رضي الله عنه وأرضاه. وهكذا نصر الله جنده وأولياءه ورسله وعباده في الحياة الدنيا، وينصرهم يوم يقوم الأشهاد.

عباد الله المعركة مع عدو كافر ولكن الجيش جيش الله والرب حافظه حتى ممن يتخلفون هروبا من الجهاد وخوفا من الحق لكن الموقنون بأن من في السماء مطلع على السرائر سيفح الكاذبون صدقوا في كلامهم خوفا من فضح أمرهم من السماء روى البخاري قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى له، ما لم ينزل فيه وحي الله، وغزا رسول الله تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، وتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم، فأرجع ولم أقضى شيئا، فأقول في نفسي: أنا قادر عليه، فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد، فأصبح رسول والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئا، فقلت أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم، فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز، فرجعت ولم أقض شيئا، ثم غدوت، ثم رجعت ولم أقض شيئا، فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم، وليتني فعلت، فلم يقدر لي ذلك، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله فطفت فيهم، أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه النفاق، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء، ولم يذكرني رسول الله حتى بلغ تبوك، فقال، وهو جالس في القوم بتبوك (ما فعل كعب). فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه برداه، ونظره في عطفيه. فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه الإ خيرا. فسكت رسول الله . قال كعب بن مالك: فلما بلغني أنه توجه قافلا حضرني همي، وطفقت أتذكر الكذب وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدا، واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل: إن رسول الله قد أظل قادما زاح عني الباطل، وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب، وسيأتي مزيد بسط لقصة كعب في الأسبوع القادم بإذن الله

مع بيان لمافي سورة التوبة التي سُميت الفاضحة لأنه فضحت المنافقين فكانت تحمل في طياتها صفاتهم ومنهم من يقول إئذن لي …..

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم

أيها المسلمون ويعود إلى المدينة، بعد إرهاب أعداء الله من نصارى و يهود و مشركين، يعود في يوم بهيج، لتستقبله المدينة نور بصرها يخرج الأطفال في فرح، ليصطفُّوا إلى مداخل المدينة، وعلى أفواه الطرقات، و هنا قال : قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: رواه البخاري.

وهكذا انتصر المسلمون في تبوك على شهواتهم وأنفسهم، وبالتالي انتصروا على أعدائهم (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) هذه غزوة تبوك قائدها محمد ، جنودها صحابته رضوان الله عليهم، عز فيها المؤمنون، وسقط المنافقون، وذل الكافرون وانهزموا، وبالجهاد في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله يُنصَر المؤمنون، و المؤمنون على عناية ربهم يتوكلون، لا خوف يُرهبهم، و لا هم في الحوادث يحزنون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى