خطب الشيخ سعد السبر

القرآن مزمار الرحمن وزينة رمضان __ للشيخ سعد السبر

الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، مقدر الاقدار، مصرف الامور، مكوِّر الليل على النهار، تبصرةً لاولي القلوب والابصار، الذي ايقظ من خلقه من اصطفاه، فادخله في جملة الاخيار، ووفق من اختار من عبيده فجعله من الأبرار؛ وبصَّر من احبه للحقائق فزهدهم في هذه الدار، احمده ابلغ حمد على جميع نعمه، واسأله المزيد من فضله وكرمه، واشهد أن لا اله الا الله اقرارًا بواحدنيته، واعترافًا بما يجب على الخلق كافة من الاذعان لربوبيته‏.‏

واشهد ان محمدًا عبده ورسوله، وحبيبه المصطفى من خليقته، واكرم الاولين والاخرين من بريته، اكرم الخلق، وازكاهم، واكملهم، واعرفهم بالله تعالى واخشاهم، واعلمهم به واتقاهم، وابلغهم بالمؤمنين تلطفًا ورفقًا؛ صلوات الله وسلامه عليه وعلى النبيين، وال كلٍ وصحابتهم ‏‏‏.‏

أما بعد فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل ( يا أيها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ‏) .‏

أيها الناس هاهي أيام رمضان ولياليه تنثر عليكم عبيرها وتفوح بطيبها وتُحيونها بالطاعات وتُكثرون فيها الصالحات وتسابقون للخيرات سابق لها المنيبون ففازوا قدموا صياما وقياما وإطعاما ولهجوا بالتسبيح والترنم بتلاوتة القرآن , وتخلف عنها المحرومون فخابوا بدلوا القيام بالعكوف على القنوات والحرام , وضاع صيامهم وتحسروا على مافاتهم وندموا على مافرطوا ولكن ولات مندم

أيها الأحبة إن شهر رمضان شهر النصر على الأعداء النفس والشيطان والهوى شهر المراغمة مع الأعداء فنحن نتقلب بين عبادات انتصرنا فيها على هؤلاء الأعداء فشهر النصر والعز المعنوي والحسي نصر ليس عسكري بل أعظم نصر ليس بالتدمير والقتل بل أشد فهو قتل للشيطان وحزبه وقمع للنفس الأمارة بالسوء ومن أعظم النصر تلاوة القران، الذي اتضح به سلوك المنهج القويم والصراط المستقيم بما فصل الله فيه من الأحكام‏,وفرق بين الحلال والحرام فهو الضياء والنور وبه النجاة من الغرورو فيه شفاء لما في الصدور ‏, قال أبو أمامة الباهلي‏:‏ اقرءوا القرآن ولا تغرنكم هذه المصاحف المعلقة فإن الله لا يعذب قلباً هو وعاء للقرآن ,وقال ابن مسعود‏:‏ إذا أردتم العلم فانثروا القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين‏,وقال أيضاً‏:‏ اقرءوا القرآن فإنكم تؤجرون عليه بكل حرف منه عشرحسنات أما إني لا أقول‏:‏ الحرف ألم ولكن الألف حرف واللام حرف والميم حرف‏,وقال أيضاً‏:‏ لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن فإن كان يحب القرآن ويعجبه فهو يحب الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال عمرو بن العاص‏:‏ كل آية في القرآن درجة في الحنة ومصباح في بيوتكم وقال أيضاً‏:‏ من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه‏,‏وقال أبو هريرة‏:‏ إن البيت الذي يتلى فيه القرآن اتسع بأهله وكثرخيره وحضرته الملائكة وخرجت منه الشياطين وإن البيت الذي لا يتلى فيه كتاب الله عزوجل‏:‏ ضاق بأهله وقل خيره وخرجت منه الملائكة وحضرته الشياطين ,‏وقال محمد بن كعب القرظي‏:‏ إذا سمع الناس القرآن من الله عز وجل يوم القيامة فكأنهم لم يسمعوه قط‏.‏وقال الفضيل بن عياض‏:‏ ينبغي لحامل القرآن أن لا يكون له إلى أحدحاجة ولا إلى الخلفاء فمن دونهم فينبغي أن تكون حوائج الخلق إليه‏‏وقال سفيان الثوري‏:‏ إذا قرأ الرجل القرآن قبل الملك بين عينيه‏وقال عمرو بن ميمون‏:‏ من نشر مصحفاً حين يصلي الصبح فقرأ منه مائةآية رفع الله عز وجل له مثل عمل جميع أهل الدنيا‏.‏

أيها المؤمنون تلاوة القرآن ينبغي أن يكون لها أثرٌ ولابد من حضور القلب لنفهم كلام ربنا ونعرف ديننا وننعم بالعمل به ويروى ‏”‏ أن خالد بن عقبة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اقرأ علي القرآن فقرأ عليه ‏”‏ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى‏”‏ الآية فقال له أعد فأعاد فقال‏:‏ والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أسفله لمورق وإن أعلاه لمثمر وما يقول هذا بشر ‏”‏ وقال الحسن والله ما دون القرآن من غنى ولا بعده من فاقة‏,‏وقال الفضيل‏:‏ من قرأ خاتمة سورة الحشر حين يصبح ثم مات من يومه ختم له بطابع الشهداء ومن قرأها حين يمسي ثم مات من ليلته ختم له بطابع الشهداء وقال القاسم بن عبد الرحمن‏:‏ قلت لبعض النساك ما هاهنا أحد نستأنس به فمد يده إلى المصحف ووضعه على حجره وقال‏:‏ هذا‏.‏

إخوة الدين سلفنا وخلفنا قراؤا القرآن وتلذذوا به ولم يملوه ففنتح الله عليهم خيرات علومه وأسراره وغاصوا في أغواره فوجدوا أثره لأنهم علموا فضله وخافوا الوعد في تركه قال أنس بن مالك‏:‏ رب تال للقرآن والقرآن يلعنه‏,وقال ميسرة‏:‏ الغريب هو القرآن في جوف الفاجر وقال أبو سليمان الداراني‏:‏ الزبانية أسرع إلى حملة القرآن الذين يعصون الله عز وجل منهم إلى عبدة الأوثان حين عصوا الله سبحانه بعد القرآن‏.‏

أيها الإخوة إن سلفنا في قرأتهم للقرآن يحضرون بكليتهم فيعطيهم الله خيره والتنعم بفهمه لأنهم تدبروه وتلاوته تصورها خطابا من الديان لهم ففهموها وأنصتوا لها وتمثلوها في حياتهم

قال ابن مسعود ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس ينامون وبنهاره إذا الناس يفرطون وبحزنه إذا الناس يفرحون وببكائه إذا الناس يضحكون وبصمته إذا الناس يخوضون وبخشوعه إذا الناس يختالون‏.‏وقام سعيد بن جبير ليلة يردد هذه الآية ‏”‏ وامتازوا اليوم أيهاالمجرمون ‏”‏ وقال بعضهم‏:‏ إني لأفتتح السورة فيوقفني بعض ما أشهد فيها عن الفراغ منها حتى يطلع الفجر‏.‏وكان بعضهم يقول‏:‏ آية لا أتفهمها ولا يكون قلبي فيها لا أعد لهاثواباً وحكي عن أبي سليمان الداراني أنه قال‏:‏ إني لأتلو الآية فأقيم فيها أربع ليال أو خمس ليال ولولا أني أقطع الفكر فيها ما جاوزتها إلى غيرها‏.‏وعن بعض السلف أنه بقي في سورة هود ستة أشهر يكررها ولا يفرغ من التدبر فيها‏.‏وقال بعض العارفين‏:‏ لي في كل جمعة ختمة وفي كل شهر ختمة وفي كل سنة ختمة ولي ختمه منذ ثلاثين سنة ما فرغت منها بعد,وكان مالك بن دينار يقول‏:‏ ما زرع القرآن في قلوبكم يا أهل القرآن إن القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض‏.‏وقال قتادة‏:‏ لم يجالس أحد هذا القرآن إلا قام بزيادة أو نقصان قال تعالى ‏”‏ هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً ‏”‏

عبا الله القرآن يؤثر في القلب بآثار مختلفة بحسب اختلاف الآيات فيكون له بحسب كل فهم حال ووجد يتصف به قلبه من الحزن والخوف والرجاء وغيره,ولذلك قال الحسن‏:‏ والله ما أصبح اليوم عبد يتلو القرآن يؤمن به إلا كثر حزنه وقل فرحه وكثر بكاؤه وقل ضحكه وكثر نصبه وشغله وقلت راحته وبطالته‏,وقال وهيب بن الورد نظرنا في هذه الأحاديث والمواعظ فلم نجد شيئاً أرق للقلوب ولا أشد استجلاباً للحزن من قراءة القرآن وتفهمه وتدبره‏,وقال عثمان وحذيفة رضي الله عنهما‏:‏ لو طهرت القلوب لم تشبع من قراءة القرآن ,وقال ابن مسعود رضي الله عنه‏:‏ من أراد علم الأولين والآخرين فليتدبر القرآن‏

أيها الصائمون،إن القرآن تنزل الملائكة لسماعه وتتأثر به، يقول الرسول لأسيد بن حضير: ((اقرأ يا ابن حضير، تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحتْ ينظر الناس إليها، لا تتوارى منهم)). إن القرآن خلع أفئدة الكفار، وألقى الهيبة في قلوبهم، فهذا جبير بن مطعم ـ وكان مشركًا من أكابر قريش وعلماء النسب فيها ـ لما أخِذ في أسرى بدر وربط في المسجد سمع النبي يقرأ ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ ) قال: كاد قلبي أن يطير، كان ذلك أول ما دخل الإيمان في قلبي. وكان أبو بكر يصلي في بيته ويقرأ القرآن، فيتقصّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يستمعون عند داره، يعجبون وينظرون إليه، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين.قال عبدالله بن عروة ببن الزبير : قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا القرآن ؟ قالت تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم كمانعتهم ابن أبي الدنيا من حديث عبدالرحمن بن الحارث بن هشام ، قال : سمعت عبدالله بن حنظلة يوما وهو على فراشه وعدته من علته ، فتلا رجل عنده هذه الآية ) لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش( فبكى حتى ظننت أن نفسه ستخرج ، وقال : صاروا بين أطباق النار ثم قام على رجليه ، فقال قائل : يا أبا عبدالرحمن اقعد ، قال منعني القعود ذكر جهنم ولعلي أحدهم .

وعن أبي بكر بن عياش قال : صليت خلف فضيل بن عياض صلاة المغرب وإلى جانبي علي بن فضيل فقرأ الفضيل )الهاكم التكاثر( فلما بلغ) لترون الجحيم ( سقط علي مغشيا عليه ، وبقي الفضيل لا يقدر يجاوز الآيه ، ثم صلى بنا صلاة خائف ،قال ثم رابطت علياً فما أفاق إلا في نصف الليل, و سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا يتهجد في الليل ويقرأ سورة الطور فلما بلغ إلى قوله تعالى إن عذاب ربك لواقع ، (ما له من دافع( قال عمر : قسم ورب الكعبة حق، ثم رجع إلى منزله فمرض شهرا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه . وكان أحد السلف إذا قرأ آية ولم يعلم معناها يبكي ثم يبكي فإذا سُئل قال إن الله يقول وما يعقلها إلا العالمون وأنا لست منهم !!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى