مناشط إعلامية للشيخ محمد السبر

حوارمع الشيخ محمد السبر

الكاتب/ صفحة الرسالة 18/8/1428هـ

01/09/2007

مع حلول الأجواء الدراسية تثور في النفس تساؤلات عدة حول الدور الحقيقي للآباء، وهل مهمة التربية والتوجيه مقتصرة على المدرسة فقط؟! وكيف يسعى بعض الآباء في إفساد أخلاق أبنائهم؟ ولقد حملتنا هذه النقاط وطرحناها على ضيف الصفحة الشيخ محمد بن إبراهيم السبر إمام وخطيب جامع الأميرة موضي السديري بحي العريجاء للإجابة عليها فكان هذا الحوار ..

حاوره : عماد بن عبد الرحمن العتيبي

الدور الحقيقي

* ما دور الآباء الحقيقي خاصة ونحن على أبواب عام دراسي جديد؟

– بعض الآباء يعتقد أن دوره لا يتعدى شراء القرطاسية والأقلام وتسجيل الأبناء وتوفير المأكل والمشرب، ويقول إن دوري ينتهي عند هذا الحد!! ونقول له: نعم بارك الله فيك جميل منك هذا فهذا واجب النفقة وقد أديته بكل اقتدار وأنت مأجور على ذلك إذا احتسبت ذلك عند الله فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ولكن من الخطأ الاهتمام بجانب النفقة وتوفير الملبس والمأكل والمشرب دونما عناية بالجانب الأهم، وهو الاهتمام بالمخبر لا المظهر وخدمة القلب والروح.

يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته

أتعبت جسمك فيما فيه خسران

أقبل على الروح فاستكمل فضائلها

فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

والله جل وعلا يقول: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) (البقرة: 197)، ويقول جل ذكره: (وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ) (الأعراف:26).

مهمة التربية

* هناك من يقول إن مهمة التربية والتوجيه مقتصرة على المدرسة فقط؟

– إن مهمة التربية والتعليم ليست مقتصرة على المدرسة فحسب بل للآباء فيها النصيب الأكبر، فالأب يتحمل المسؤولية الكبرى عن تعليم ولده وتربيته ومتابعته وهو المخاطب بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 6)، وهذه الآية أصل في تعليم الأهل والذرية، قال علي رضي الله عنه عن هذه الآية: (قُوا أَنفُسَكُمْ..) أي: (علموهم وأدبوهم)، رواه الحاكم وصححه، وذكر ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره عن الضحاك ومقاتل – رحمهما الله -: حق على المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه ما فرض الله عليه وما نهاهم عنه: أهـ (8 – 167).

الرعيل الأول

* هل لفضيلتكم إطلاع القارئ على أمثلة لأساليب تربية من الرعيل الأول للدلالة على حرص الإسلام على تربية الناشئة؟

– إن الإسلام أولى تربية الأبناء عناية عظيمة بل إن الجيل الأول حرصوا على تأديب أبنائهم أشد الحرص، روى البخاري في صحيحه عن عمر بن أبي سلمة قال: كنت غلاماً في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصفحة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك) قال عمر: فما زالت تلك طعمتي بعد.

وقال سعد: (كنا نعلم أولادنا مغازي رسول الله كما نعلمهم السورة من القرآن).

أهمية التواصل

* كيف يرى فضيلتكم أهمية التواصل مع المدرسة؟

– إن الأب مع المدرسة صنوان وعمودان لخيمة نجاح الأبناء، لكن المدرسة تشتكي أباً لا يزورها ولا يحضر مجالس الآباء، بل إذا حصلت مشكلة أو أزمة لابنه مع المدرس أو مع زملائه لا يكلف نفسه أن يسأل عن ملابسات الأمر.. المدرسة تشتكي أباً لا يطلع على التقارير الشهرية!! ولا يتابع واجبات أولاده ولا يساهم في تقويمهم وتسديدهم.

إن حضوره مهم جداً ولو مرة في الشهر لعدة أمور:

1 – في ذلك تشجيع وتحفيز له على التحصيل وباعث له على التفوق – بإذن الله -، كما أن ذلك يشعره بالثقة والاطمئنان لقرب أبيه منه.

2 – قد يكون الابن يعاني من مشكلة أخلاقية أو نفسية أو صحية كضعف نطق أو نظر لا يعلمها الأب، وهذه المشكلة هي سبب في ضعف تحصيله وتقدمه، فيساهم حضور الأب وتفاعله في حلها وعلاجها.

3 – الزيارة لها دور إيجابي على الابن فبعض الطلاب في المنزل يكون هادئاً مؤدباً أمام والده هيبة وخوفاً، ولكنه في المدرسة على النقيض من ذلك فهو مزعج أمام مدرسيه وزملائه؟! ولو زار الوالد المدرسة لحل مثل هذا التناقض وهذه الازدواجية ومنها يعرف الوالد طبيعة ولده.

المتناقضات

* بعض الآباء هو من يسعى في إفساد أخلاق أبنائه كيف يكون ذلك؟

– يكون ذلك عندما يقوم المدرسة بتعليم الطالب أن الغناء والدخان حرام ووالده يناقض ذلك فيرتفع صوت الغناء في منزله وسيارته، بل ويجعل الابن وسيلة لشراء الدخان؟! والمدرسة تعلم الأبناء والبنات أن الخلوة مع المرأة الأجنبية حرام، ووالدهم يناقض ذلك فيجعل الفتاة وهي في المرحلة المتوسطة أو الثانوية أو الجامعية تذهب مع السائق بلا محرم، والوالد لا يرى غضاضة في الخلوة بالخادمة في المنزل؟! فكيف نريد للمدرسة أن تؤدي دورها وبعض الآباء يهدمون..

متى يبلغ البنيان يوماً تمامه

إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

وما أكثر الهادمين في هذه الأيام فالشاشة تهدم، والمجلة الهابطة تهدم، ومواقع الإنترنت غير اللائقة تهدم، والشارع يهدم، وصحبة السوء تهدم.

أرى ألف بانٍ لا تقوم لهادم

فكيف ببان خلفه ألفُ هادم

ومن عجب أن بعض الآباء يترك مسؤولية أبنائه وبيته ويقول: أهم شيء عندي أن ينجح ويكفل نفسه وهو حر، ويعلمه دنياه، ويتركه سلماً للعوادي.ألقاه في اليم مكتوفاً وقال لهإياك إياك أن تبتل بالماء

كلكم راع

* ما الرسالة التي يوجهها فضيلتكم للآباء؟

– أذكرهم بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن الله سائل كل رجل عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه حتى يسأل الرجل عن أهل بيته)، رواه ابن حبان وإسناده حسن، وقوله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته)، (متفق عليه).

حقوق المعلمين

* ما حقوق المعلمين على طلابهم؟

– إجلال المعلمين والمعلمات وتوقيرهم واحترامهم طلباً لمرضاة الله سبحانه وتعالى، والتزام الأدب قبل الجلوس في مجالس العلم والطلب.

وتعلم الأدب مع الكبار والعطف على الصغار، والهدوء واحترام المساجد ودور العلم والعبادة.

مدرس أمين

* وهل من رسالة توجهها للمعلمين والموجهين؟

– أقول للذي هو أكثرُ الناس اتصالاً بأبنائنا الذي يقول فيسمعُ له، ويأمر فيصغى له؟! إننا نقول لكل من اشتغل بالتدريس إن أقل ما ينظر فيك أن يكون مظهرك إسلامياً، وأن يتفق القول مع الفعل وأن تكون الروح إسلامية حقاً.. ونريد مدرساً أميناً على فلذات أكبادنا فإذا تكلم فلا يتكلمُ إلا بخير، حسنَ التعامل فلا تصدر منه إلا عبارات التربية والتوجيه، قدوةً في مظهره، محافظاً على صلاته، إذا دخل على الطلاب قابلهم بالبسمة وطلاقة الوجه قال صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) رواه مسلم، وإذا دخل حياهم بتحية الإسلام.

وإذا بدأ حديثه وشرحه بدأه بالحمد لله والثناء على الله والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم وهكذا نغرس التربية الإسلامية في نفوس أجيالنا ونربيهم على الأخلاق الحميدة.

مسؤولية مشتركة

* ما مفهوم الاحتساب في العملية التعليمية وكيف نفعل العلاقة بين الهيئة والمدرسة والبيت؟!

– الحسبة هي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله، ودور العلم ومعاهده هي أسس هذه الشعيرة فالمعلم هو الذي يقرر قواعد الدين ودعائمه وينميها في قلوب الناشئة ومنها شعيرة الحسبة هو بذلك متبع للنبي صلى الله عليه وسلم فقد بعثه الله معلماً كما جاء في الحديث فكان صلى الله عليه وسلم يعلم الناس ويدعوهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، فالعلم والتعليم هما من أصول الحسبة فلا احتساب إلا بعلم مبني على الكتاب والسنة والأصول الشرعية والضوابط المرعية في الإنكار، ومن هنا تأتي ضرورة العلم للاحتساب. كما أن مناهجنا – ولله الحمد – في بلادنا المباركة مناهج تقوم على ترسيخ الدين الحنيف والشريعة الإسلامية وآدابها وتقررها في نفوس الطلاب وهذا ينمي في الطالب حس الاحتساب على نفسه وعلى غيره بفعل ما أمر الله واجتناب ما نهى عنه.إن الحسبة واجب الجميع آباء ومعلمين وطلاباً، وهي مسؤولية مشتركة بين البيت والمدرسة من جهة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جهة أخرى..

علاقة مشتركة ينطلق أساسها من الإيمان بأن شعيرة الحسبة – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – هي من الدين وأحد دعائمه العظيمة التي تحمي العقيدة والأخلاق وتهذب السلوك العام والجميع مأمورون بها قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، فهي شعيرة يقوم بها الجميع بحسب مواقعهم ومسؤولياتهم، وسبل تفعيل هذه العلاقة تكون بالتالي:

– تفعيل زيارة المدارس للهيئات بالتنسيق مع إدارة العلاقات العامة بالرئاسة والاطلاع على المعرض الدائم والالتقاء بمسؤولي الرئاسة وغالباً ما تخرج هذه اللقاءات بالطابع الحسن عن الهيئة ومسؤوليها.

– تشجيع زيارة الهيئات للمدارس واطلاع الطلاب على دور الهيئة الفعال في نشر المعروف وإنكار المنكرات وحماية المجتمع من الشرور والآفات.

– مساهمة الهيئة في المعارض التي تقيمها المدارس والنوادي الصيفية والمناسبات ومعارض المخدرات ومكافحة التدخين ونحوها.

المرء مع من أحب

* بما يختتم فضيلتكم هذا الحوار؟!

– اختتم حديثي بطرح عدد من التساؤلات أبعثها للطالب للتنبيه على جوانب هامة وهي: انظر لنوع الزملاء والأصدقاء الذين تختارهم وتصطفيهم لرفقتك وصحبتك في المدرسة وفي الشارع والحارة؟! وهل هم من النوع المرضي في دينه الذي يعينك على الخير ويدلك عليه؟! أم هم من النوع المسخوط في دينه الذي يدعوك إلى الرذائل ويسوغ لك فعل الباطل.. ألا ففر من المجذوم فرارك من الأسد، وتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المرء على دين خليله).

ويقول أيضاً: (المرء مع من أحب)، ويقول: (لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي). ولذا قال جماعة من السلف: اصحب من ينهضك حاله، ويدلك على الله مقاله.

إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم

ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

واذكرهم بتجديد النية وإخلاصها لله جل وعلا في طلب العلم، وذكرهم بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)

وآمرهم بتقوى الله حيث قال الله في كتابه الكريم (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )(لبقرة: 282).

إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الحوار على صفحة الرسالة

الجمعة 18 شعبان 1428 العدد 12755

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى