مقالات وخطب الدكتور محمد المصري

مكافحة الأحزان & للدكتور محمد المصري

يشتكي كثير من الناس من الهموم والأحزان دون سبب مباشر لهما وربما بحث بعضهم عن علاج ذلك بتعاطي المسكرات أو المخدرات أو بحث عنها بمشاهدة المسرحيات أو الأفلام أو المسلسلات،وربما بحث عنها بإشغال نفسه بالعمل أو بالرياضة أو بغير ذلك،ولا فرق في ذلك بين الأغنياء والفقراء ولذا فإن نبينا  استعاذ منها فقال :” اللهم أني أعوذ بك من الهم والحزن ” كما أرشد أصحابه بدعاء ما يزيلهما أو يخفف منهما حيث قال  : ” مامن عبد يصيبه هم ولا حزن فيقول (( اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض فيّ حكمك عدل فيّ قضائك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك أو علمته أحد من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانهما فرحاً ))، وأخبرهم أن الهم والحزن داء يخفف الذنوب فقال  :” ما يصيب المؤمن من هم ولا حزن ولا عجز ولا كسل إلا خفف الله عنه من خطاياه ” .

وقد استنبط العلماء من نصوص الكتاب والسنة جملة أسباب تذهب الحزن أو تخففه:

أولها :-تحقيق الإيمان بالله -عزوجل –الإيمان المتضمن محبة الله ، ومحبة رسوله  ، وإفراد الله سبحانه وتعالى بالخوف والرجاء وتفويض الأمور إليه والاعتماد عليه وحده والوقوف عند حدوده قال الله تعالى {النحل:97} ، وقال سبحانه {الطَّلاق:2} .

فالقلق والهم والحزن منبعه الإشراك بالله تعالى والكفر به وارتكاب ما يغضبه ونسيانه جل وعلا كما قال تعالى {طه:124} ،وما يجازى به المسيء من ضيق الصدر والحزن إنما هو عقوبة عاجلة داعية له إلى التوبة فإن مات مصراً على الكفر والمعاصي فيدخل في قوله سبحانه {طه:124}

ثانيهما :-التحلي بالصبر عند المصائب يقول النبي  :” عجباً لأمر المؤمن إن أمره كلَّه له خير … الحديث ” .

ثالثهما :-أن يجعل المسلم همه الأكبر الآخرة قال تعالى {القصص:77} ، وقال  :” من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا راغمة ، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرٌَّ عليه شمله ، ولم يؤته من الدنيا إلا ما قدِّر له ” .

رابعاً :-المحافظة على الفرائض خصوصاً الصلوات الخمس مع جماعة المسلمين قال الله تعالى {البقرة:153} ، ويقول نبينا  :” أرحنا بها يا بلال ” ويقول  :” وجعلت قرة عيني بالصلاة ”

خامسهماً:-الإكثار من ذكر الله تعالى كما قال سبحانه {الرعد:28} ، كأذكار الصباح والمساء والنوم والاستيقاظ من والدخول والخروج .

سادسهما:- قراءة القرآن الكريم وتلاوته والاستماع له وتدبره {يونس:57} .

سابعهما :-النظر إلى نعم الله بعين الرضا ومما يعين على ذلك بأن ينظر العبد إلى من هو أقل منه منزلة في الدنيا كما قال  :” انظروا إلى من هو أقل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإن ذلك أجدر من أن تزدروا نعمة الله عليكم ” .

ثامنها :-النظر إلى المساحات البيضاء في الآخرين كقوله  :” لا يفرك مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلق رضي منها آخر ” .

تاسعها :-الحرص على الجد والاجتهاد وإشغال النفس بالأمور النافعة والبعد عن الكسل الضار وعن التفكير في الماضي وقول لو قال  :” المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا ” .

عاشرها :-الصدقة فإنها دواء لكل داء ومنه الهم والحزن يقول الله تعالى {البقرة:195} ، وقال  :” داووا مرضاكم بالصدقة ” .

حادي عشر :-التجمل بخلق العفو والبعد عن الحقد كما قال تعالى {فصِّلت:34} .

قال الشافعي لما عفوت ولم أحقد على أحد أرحت نفسي من هم العداوات .

ثاني عشر :-البعد عن كثرة الجدال في الأمور التي لا تفيد حيث قال نبينا  :” أنا كفيل ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً ” فالجدال يورث الهم والحزن والفرقة والخلاف.

ثالث عشر :-اختيار الرفقة الصالحة الطيبة الذين يسيرون على منهج الله وسنة رسوله  والبعد عن أصدقاء السوء الذين هم من أهم أسباب الحزن والهم كما قال تعالى {الأنعام:71} .

رابع عشر :-تأمل كتاب الله عزوجل خصوصاً :

{التوبة:51} ،

{الأنعام:17} ، {الأنعام:38} ، {هود:56} ، {العنكبوت:60} ، {فاطر:2} ، {الزُّمر:38} .

وأخيراً فهذا بخصوص الهموم والأحزان الدنيوية والدائمة أما أن يحمل المسلم هم إخوانه ويحزن لحزنهم فهو أمر مطلوب يدفعه إلى بذل الجهود للتخفيف عنهم عملاً بقول النبي  :” مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ” بشرط أن لا يؤدي هذا الهم إلى هلاكه كما قال تعالى {فاطر:8} .

فاللهم إنا نسألك بأنك الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواّ أحد نسألك أن تشرح صدور إخواننا القراّء وأن تعيذهم من الهم والحزن والعجز والكسل وأن تيسر أمورهم .

كتبه الفقير إلى عفو ربه

المشرف على مستودع الخيرات بالعريجاء

د. محمد جاد بن أحمد صالح المصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى