سبب البقاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -خطب الجمعة

شبكة السبر – خطب الجمعه
كتبه د/ سعد بن عبدالله السبر
إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمَّداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً , اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد :
فيا عباد الله اتقوا الله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى , واحذوا من زلة الأقدام بعد ثبوتها , وعليكم بتقواه فإن من اتقاه أصلح عمله وسدد قوله
إخوة الدين إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرةٌ عظيمة من شعائر الإسلام , بسببه نالت هذه الأمة خيريَّتها , وبه تميزت عن سائر الأمم ,الأمرُ بالمعروف والنَّهي عن المنكر والأخذ على يد السَّفيه حصنٌ حصين من المحن , ودرعٌ يقي من الشُّرور والفتن , وأمانٌ تحفظ به حرمات المسلمين , به تظهر شعائر الدين وتعلو أحكامه , ويعز أهل الإيمان ويذل أهل النفاق والطغيان .
قال الإمام سفيان: (إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر أخيك , وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق).
عبَاد الله : إذا فشا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تميَّزت السنة من البدعة , وعُرف الحلال من الحرام , وأدرك الناس الواجب والمسنون , والمباح والمكروه, ونشأت النَّاشئة على المعروف وألفته , وابتعدت عن المنكر واشمأزَّت منه وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ( الأمر والنهي من لوازم وجود بني آدم ، فمن لم يأمر بالمعروف الذي أمر الله به ورسوله ، وينه عن المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله ، ويُؤمر بالمعروف الذي أمر الله به .. ورسوله ، ويُنهى عن المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله ، وإلا فلا بد أن يأمر وينهى ، ويُؤمر ويُنهى ، إما بما يضاد ذلك ، وإما بما يشترك فيه الحق الذي أنزله الله بالباطل الذي لم ينزله الله ، وإذا اتخذ ذلك ديناً : كان مبتدعاً ضالاً باطلاً
وقال ابن حجر الهيثمي : ( المراد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الأمر بـــواجب الشرع ، والنهي عن محرماته )
وقال ابن القيم – رحمه الله – : ( إن النبي شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله ، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره ، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل ، وعدم الصبر على منكر ، فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه، فقد كان رسول الله
يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها ، بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عَزَمَ على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم،ومنَعه من ذلك – مع قدرته عليه – خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثي عهد بكفر ,وإن العاقل إذا تأمل في كثيرٍ من المجتمعات التي ضعف فيها جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يرى جهلاً بالسنن , وانتشارا للبدع , وإهمالاً للصلوات , واتِّباع للشهوات . وأن من سنن الله الماضية أن يسلط عقوبته على المجتمعات التي تهمل هذه الشعيرة .
قال الله جل وعلا: ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ )) (المائدة 78-79). إذا عُطّلت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرم المجتمع من إجابة الدعاء، وفتح أبواب السماء له، كما جاء عند أحمد والترمذي من حديث حذيفة أن النبي قال: ((لتأمرون بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)). فيا لله، أي حرمان يعيش فيه ذلك المجتمع، وأي شيء يبقى له حين تحجب عنه أبواب الإجابة، دخل رسول الله ذات يوم على عائشة رضي الله عنها وقد تغير وجهه، فعرفت عائشة أنه قد حضره أمر قد أهمه، قالت: فقام رسول الله فتوضأ ولم يكلم أحداً حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال: ((أيها الناس، إن الله يقول مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا أجيب لكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم)) فما زاد عليهن حتى نزل. .
فيالله العجب، أوَ حقاً يدعو الناس فلا يستجيب الله لهم، وهو القائل: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ) ، نعم، إذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!؟ إنها ورب الكعبة حقيقة ترتجف لها النفوس فرقاً، ويقشعر الوجدان منها رعباً.
وإذا أُعلن المنكر في مجتمع ولم يجد من يقف في طريقه فإنه سيقوى ويكثر الخبث وعند ذلك يحلُّ بالأمة العذاب والهلاك .ففي الصحيحين من حديث زينب رضي الله عنها أنها قالت : ((يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: ((نعم , إذا كَثُرَ الخَبَث)).ومما أُثر عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قوله : ( كان يُقال: إن الله لا يعذب العامة بذنب الخاصَّة ولكن إذا عُمِل المنكر جهاراً استحقوا العقوبة كلهم ) ( إن وجود المصلحين في الأمة هو صمَّام الأمان لها , وسبب نجاتها من الهلاك العام , ولهذا قال تعالى: ((وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)) ولم يقل صالحون
أيها المؤمنون : إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابد له من شروط حتى يتم على وجهه الصحيح موافقاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – عند حديثه عن شروط الأمر والنهي : ( ولا يكون عمله صالحاً إن لم يكن بعلم وفقه .. وهذا ظاهر فإن العمل إن لم يكن بعلم كان جهلاً وضلالاً ، واتباعاً للهوى وهذا هو الفرق بين أهل الجاهلية وأهل الإسلام فلا بد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما ، ولا بد من العلم بحال المأمور وحال المنهي) .
وأضاف يقول : وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف ورووه مرفوعاً ذكره القاضي أبو يعلى في المعتمد ( لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيهاً فيما يأمر به ، فقيها فيما ينهى عنه ، رفيقاً فيما يأمر به ، رفيقاً فيما ينهى عنه ، حليماً فيما يأمر به ، حليماً فيما ينهى عنه) .
ويقـول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – مخاطباً الداعية إلى الله الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر : ( أن تكون على بينة في دعوتك أي على علم ، لا تكن جاهلاً بما تدعو إليه ((قُلْ هَذِهِ سَبِيْلِي أَدْعُو إِلى اللهِ عَلَى بَصِيْرَةٍ))
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- ( وليس لأحد أن يزيل المنكر بما هو أنكر منه، مثل أن يقوم واحد من الناس يريد أن يقطع يد السارق ويجلد الشارب ، ويقيم الحدود، لأنه لو فعل ذلك لأفضى إلى الهرج والفساد ، لأن كل واحد يضرب غيره ويدعي أنه استحق ذلك ، فهذا ينبغي أن يقتصر فيه على ولي الأمر
أيها المؤمنون إن النفوس الضعيفة عندما تنقطع عليها لذائذها المحرمة بتحقيق تلك الشعيرة في المجتمع تسعى جهدها لتهوين تلك الشعيرة، بإلقاء الشبهات والآراء السفيهة حولها، فتجدهم في حين يدعون أن ذلك ينافي الحرية الشخصية التي يتمتع بها كل إنسان، ويزيد الطين بلة عندما يستدل لرأيه هذا بقوله تعالى: لا إكراه في الدين وما علم أن هذه الآية في الكافر أن لا يُكره على دخول الإسلام، بل وليس كل كافر، فقد رجح كثير من المفسرين أن هذا الحكم خاص بأهل الكتاب ومن شابههم، فتؤخذ منهم الجزية ويبقون على دينهم، هذا وقد ذهب بعض أهل العلم أن هذه الآية منسوخة بآية القتال.
ثم إن ذلك الكافر ليس له أن يفعل في مجتمع المسلمين ما يشاء مما يقرّه مجتمعه، فهل يريد ذلك بمثل هذه الاستدلال أن يسقط تلك الشعيرة، فأين تلك الآيات والأحاديث المتوافرة بشأنها وعظم وجوبها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : (( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) .
جعلني الله وإياكم من المفلحين ومن عباده المصلحين إنه جوادٌ كريم , أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه
أيها المسلمون : وليست هذه الشعيرة مقتصرة على جهة معينة بل هي على عموم الخلق , فالأب مع من ولاه الله عليهم , والأم كذلك , والجار مع جاره , والمعلم مع طلابه , وإمام المسجد مع جماعته خصوصاً فيمن لا يشهدون الجمعة والجماعات , وكذلك القريب مع قريبه ولكن عليه أن يراعي السرية في نصحه قال سليمان الخواص : من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة ، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما فضحه ,وعن عبد الله ابن المبارك قال : ( كان الرجل إذا رأى من أخيه ما يكره أمره في ستر، ونهاه في ستر ، فيُؤجر في ستره ويُؤجر في نهيه ، فأما اليوم فإذا رأى أحد من أحد ما يكره استغضب أخاه ، وهتك ستره . ورحم الله الإمام الشافعي إذ يقول :
تَعمدني بنصحكَ في انفرادٍ وجنبني النصيحةَ في الجماعةْ
فإنَّ النصحَ بينَ الناسِ نوعٌ من التوبيخِ لا أرضى استَماعهْ
فإنْ خَالفتني وعصيتَ أمْري فلا تجزعْ إذا لم ُتعطَ طاعةْ
فيا أيُّها المسلم :
مُرْ بالمعروف وانْهَ عن المنكر بعلمٍ وحلم , ورفقٍ وصبرٍ بالحكمة والموعظة الحسنة مستعملا كل وسيلةٍ مباحة متاحة , سواء كان ذلك عن طريق الكلمة الهادفة , أو الكتيِّب المناسب , أو النَّشرة الصغيرة , أو الشريط المفيد , أو الهاتف أو الجريدة أو الرسالة الشخصية أو غير ذلك من الوسائل التي تقطع المنكر وتنهيه أو تخفِّفه وتُضعف منه , والدال على الخير كفاعله , والمسلمون نَصَحَة , والمنافقون غَشَشَة , ومن يتحرى الخير يُهْدَ إلى طريقه , ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يُمَهِّدُون.