مقالات الشيخ سعد السبر

وقفات مع _سورة مريم_ __ للشيخ سعد السبر

الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ، الحمد لله علم القران ، خلق الإنسان ، علمه البيان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، جعل القرآن هداية للناس ، ونبراساً يضيء لهم الطريق ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأكرم ، علم القرآن فكان خير معلم ، فصلوات الله وسلامه عليه ، وعلى آله وأصحابه أجمعين . . أما بعد

القرءان هو كلام الله القديم ، كلام الله منزل غير مخلوق ، الذي أنزله على نبيه محمد

صلى الله عليه وسلم باللفظ والمعنى ، القرآن الكريم كتاب الإسلام الخالد ، ومعجزته الكبرى ، وهداية للناس أجمعين ، قال تعالى : ” كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ “، ولقد تعبدنا الله بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار ، قال تعالى : ” إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ” ، فيه تقويم للسلوك، وتنظيم للحياة، من استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، ومن أعرض عنه وطلب الهدى في غيره فقد ضل ضلالاً بعيداً ، ولقد أعجز الله الخلق عن الإتيان بمثل أقصر سورة منه ، قال تعالى : ” وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة ممن مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ”

أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا

ويقول عز من قائل: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ولذلك بعث صلى الله عليه وسلم الصحوة في قلوب أصحابه بالقرآن، فجعلهم خير أمةٍ تمشي على الأرض، وخير أمة تحضر الأرض، وخير أمةٍ تقيم ميزان الله في الأرض، بل كان يسمع الصحابي الآيات فينطلق بها شعلةً وهدايةً، وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر.

وقد قال أبو عبد الرحمن السلمي‏:‏ حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن ـ كعثمان بن عفان، وعبد اللّه بن مسعود وغيرهما ـ أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا‏:‏ فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا‏.‏ ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة‏.‏ وقال أنس‏:‏ كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جَلَّ في أعيننا‏.‏ وأقام ابن عمر على حفظ البقرة عدة سنين، قيل‏:‏ ثماني سنين، ذكره مالك‏.‏

وفي تفسير ابن أبي حاتم ، { أنه صلى الله عليه وسلم مر في سكة من سكك المدينة ، فسمع عجوزاً تقرأ، وهي تردد من وراء الباب في الليل: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ تقف عندها وترددها وتقول: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، فوضع رأسه يبكي ويقول: نعم أتاني، نعم أتاني }.

كان عثمان وهو خليفة رضي الله عنه وأرضاه، يجلس من صلاة الفجر فيفتح مصحفه حتى الظهر، فيقول له الصحابة: لو رفقت بنفسك يا أمير المؤمنين! قال: ] وكان يصلي الليل في ركعة بسندٍ صحيح عند المروزي وغيره، وذكره ابن حجر ، أنه صلَّى الليل كله بركعةٍ واحدة، قرأ في الركعة القرآن كاملاً، ولما قتل بكته الأمة،

يقول شيخ الإسلام العادة تمنع أن يقرأ قوم كتابًا في فن من العلم ـ كالطب والحساب ـ ولا يستشرحوه، فكيف بكلام اللّه الذي هو عصمتهم، وبه نجاتهم وسعادتهم، وقيام دينهم ودنياهم‏؟‏ 

أيها الإخوة إذا تقرر هذا فحديثنا الليلة عن سورة مريم التي حوت أمورا عظيمة وأحداثا جسيمة ورد في فضلها ما رواه محمد بن إسحاق في السيرة من حديث أم سلمة، وأحمد بن حنبل عن ابن مسعود في قصة الهجرة إلى أرض الحشبة من مكة، أن جعفر بن أبي طالب رضي اللّه عنه قرأ صدر هذه السورة على النجاشي وأصحابه‏.‏

ـهذه السورة من اسمها نرى فضل المرأة في الإسلام حيث حفظها وقرر حقوقها

حقوقا حقيقة وليست وهمية مغلفة بالباطل لإخراجها من خدرها !! حقوقا أوجبها الجبار جل جلاله للمرأة , فليأتي مدعو مناصرة المرأة الذين أوجدا لها حقوقا لنقول لهم هل أنتم أعلم بخلق الله منه سبحانه أليس القائل ألا يعلم من خلق ؟ فهل أنتم تعلمون ما لايعلم ؟ أم أنتم المشرعون ؟

ـ هذه السورة حوت المعجزات الخالدة ولأنها كبيرة على العقول البشرية خصوصا الكافرة مهدت لهذه المعجزة بمعجزة أصغر منها فإجابة زكريا بإعطائه الولد معجزة مهدت لخلق عيسى من أمه بلا أب !!! لأن النفوس عاجزة حائرة عن الإحاطة بالله ومعرفة حقيقة أسمائه وصافته وكنههما !!!!!ولايحيطون به علما

ـ هذه السورة ركزت على العقيدة تركيزا عظيما بتقرير وحدانية الله وأنه واحد أحد لم يتخذ صاحبة ولا ولد وقررت قدرته سبحانه وخلقه الأشياء من عدم وبعثها بعد الموت قررت منة على خلقه بإرسال الرسل قررت معية الله لعباده المؤمنين ونصرتهم قررت القيامة وما فيها من نعيم للموحدين وعذاب للمشركين وقررت وجود الجنة والنار وعاقبة إقامة الصلاة وإضاعتها وعاقبة نسبة الولد لله .

ـ هذه السورة بدأت بحروف متقطعة تعجيزا للفصحاء من العرب ونحن الآن أصبحنا أشد عجمة من العجم بل إن العجم يعلمون العرب العربية !! قوله تعالى {كهيعص} تقدم الكلام في أوائل السور. وقال ابن عباس في {كهيعص} : أن الكاف من كافٍ، والهاء من هادٍ، والياء من حكيم، والعين من عليم، والصاد من صادق، ذكره ابن عزيز القشيري عن ابن عباس؛ معناه كافٍ لخلقه، هادٍ لعباده، يده فوق أيديهم، عالم بهم، صادق في وعده؛ ذكره الثعلبي عن الكلبي والسدي ومجاهد والضحاك. وعن علي وعن ابن عباس وعن السدي أيضا : هو اسم من أسماء الله تعالى؛ وقتادة : هو اسم من أسماء القرآن؛ ذكره عبدالرزاق. عن معمر عنه. وقيل : هو اسم للسورة؛ وهو اختيار القشيري في أوائل الحروف؛

ـ ‏{‏ذكر رحمت ربك‏}‏ أي هذا ذكر رحمة اللّه عبده زكريا، وكان نبياً عظيماً من أنبياء بني إسرائيل، وفي صحيح البخاري، أنه كان نجاراً يأكل من عمل يده في النجارة،قوله تعالى:{إذ نادى ربه نداء خفيا} مثل قوله{ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} وقد تقدم. والنداء الدعاء والرغبة؛ أي ناجى ربه بذلك في محرابه. دليله قوله{فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب} فبين أنه استجاب له في صلاته، كما نادى في الصلاة. واختلف في إخفائه هذا النداء؛ فقيل : أخفاه من قومه لئلا يلام على مسألة الولد عند كبر السن؛ ولأنه أمر دنيوي، فإن أجيب فيه نال بغيته، وإن لم يجب لم يعرف بذلك أحد. وقيل : مخلصا فيه لم يطلع عليه إلا الله تعالى. وقيل : لما كانت الأعمال الخفية أفضل وأبعد من الرياء أخفاه. وقيل{خفيا} سرا من قومه في جوف الليل؛ والكل محتمل والأول أظهر؛ والله أعلم. وقد تقدم أن المستحب من الدعاء الإخفاء في سورة عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي) وهذا عام.

ـ ‏{‏قال رب إني وهن العظم مني‏}‏ أي ضعفت وخارت القوى ‏{‏واشتعل الرأس شيبا‏}‏ أي اضطرم المشيب في السواد‏.‏ والمراد من هذا الإخبارُ عن الضعف والكبر، ودلائله الظاهرة والباطنة، وقوله‏:‏ ‏{‏ولم أكن بدعائك رب شقيا‏}‏ أي ولم أعهد منك إلا الإجابة في الدعاء، ولم تردني قط فيما سألتك، وقوله‏:‏ ‏{‏وإني خفت الموالي من ورائي‏}‏، قال مجاهد وقتادة والسدي‏:‏ أراد بالموالي العصبة، ووجه خوفه أنه خشي أن يتصرفوا من بعده في الناس تصرفاً سيئاً، فسأل اللّه ولداً يكون نبياً من بعده ليسوسهم بنبوته ما يوحي إليه، فأجيب في ذلك، لا أنه خشي من وراثتهم له ماله، فإن النبي أعظم منزلة وأجل قدراً من أن يشفق على ماله ‏{‏يرثني ويرث من آل يعقوب‏}‏ قال‏:‏ يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوة، وهذا اختيار ابن جرير في تفسيره‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏واجعله رب رضيا‏}‏ أي مرضياً عندك وعند خلقك، تحبه وتحببه إلى خلقك في دينه وخلقه‏.‏

ــ ‏استجاب الله له فقال{‏يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى‏}‏، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء * فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن اللّه يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من اللّه وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين‏}

وقوله‏:‏ ‏{‏لم نجعل له من قبل سميا‏}‏‏.‏ قال قتادة‏:‏ أي لم يسم أحد قبله بهذا الاسم واختار هذا القول ابن جرير رحمه اللّه ، وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏لم نجعل له من قبل سميا‏}‏ أي شبيهاً، أخذه من معنى قوله‏:‏ ‏{‏هل تعلم له سميا‏}‏‏؟‏ أي شبيهاً، وقال ابن عباس‏:‏ أي لم تلد العواقر قبله مثله، وهذا دليل على أن زكريا عليه السلام كان لا يولد له، وكذلك كانت امرأته عاقراً من أول عمرها، بخلاف سارة وإبراهيم عليه السلام تعجبا لكبرهما فكيف يأتيهما الولد أم زكريا فيختلف . البشرى ثلاثة أشياء : أحدها : إجابة دعائه وهي كرامة. الثاني : إعطاؤه الولد وهو قوة. الثالث : أن يفرد بتسميته؛

ــ فتعجبا زكريا ‏{‏ قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ‏.‏ قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ‏}‏

ذكر السهيلي‏:‏ أن امرأته اسمها إيشاع بنت قافوذ ، وهي أخت حنة بنت قافوذ، قاله الطبري، وحنة هي أم مريم‏.‏ وقال العتبي‏:‏ امرأة زكريا هي إيشاع بنت عمران ، فعلى هذا القول يكون يحيى ابن خالة عيسى على الحقيقة، وعلى القول الأول يكون ابن خالة أمه،

وفي حديث الإسراء قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏فلقيت ابني الخالة يحيى وعيسى‏)‏، وهذا شاهد للقول الأول ، ومع أنه قد كبر وعتا، أي عسا عظمه، ونحل، ولم يبق فيه لقاح ولا جماع، والعرب تقول للعود إذا يبس‏:‏ عتا، وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏عتيا‏}‏ يعني قحول العظم، وقال ابن عباس وغيره، عتياً يعني الكبر، والظاهر أنه أخص من الكبر، ‏{‏قال‏}‏ أي الملّك مجيباً لزكريا عما استعجب منه ‏{‏كذلك قال ربك هو عليَّ هين‏}‏ أي إيجاد الولد منك ومن زوجتك هذه لا من غيرها، ‏{‏هين‏}‏ أي يسير سهل على اللّه، ثم ذكر له ما هو أعجب مما سأل عنه فقال‏:‏ ‏{‏وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا‏}‏، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏هل أتى على الإنسان حيناً من الدهر لم يكن شيئا مذكورا‏}‏

ــ قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ‏.‏ فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد‏:‏ اعتقل لسانه من غير مرض ولا علة‏.‏ قال زيد بن أسلم‏:‏ كان يقرأ ويسبّح ولا يستطيع أن يكلم قومه إلا إشارة، واختلف الناس في اشتقاق المحراب ؛ فقالت فرقة : هو مأخوذ من الحرب كأن ملازمه يحارب الشيطان والشهوات. وقالت فرقة : هو مأخوذ من الحرب (بفتح الراء) كأن ملازمه يلقى منه حربا وتعبا ونصبا.

الثانية: هذه الآية تدل على أن ارتفاع إمامهم على المأمومين كان مشروعا عندهم في صلاتهم. وقد اختلف في هذه المسألة فقهاء الأمصار، فأجاز ذلك الإمام أحمد وغيره متمسكا بقصة المنبر. ومنع مالك ذلك في الارتفاع الكثير دون اليسير،

ــ يا يحي خذ الكتاب بقوة وأتيناه الحكم وأن اللّه علمه الكتاب وهو التوراة التي كانوا يتدارسونها بينهم، وقد كان سنه إذ ذاك صغيراً، فلهذا نوه بذكره وبما أنعم به عليه وعلى والديه، فقال ‏{‏يا يحيى خذ الكتاب بقوة‏}‏ أي تعلم الكتاب بقوة أي بجد وحرص واجتهاد ‏{‏وآتيناه الحكم صبيا‏}‏ أي الفهم والعلم والجد والعزم، والإقبال على الخير والإكباب عليه والاجتهاد فيه، وهو صغير حدث‏.‏ قال عبد اللّه بن المبارك، قال الصبيان ليحيى بن زكريا‏:‏ اذهب بنا نلعب، فقال‏:‏ ما لّلعب خلقنا

ــ واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ‏.‏ فاتخذت من دونهم حجابا لما ذكر تعالى قصة زكريا عليه السلام، وأنه أوجد منه في حال كبره وعقم زوجته ولداً زكياً طاهراً، مباركاً، عطف بذكر قصة مريم في إيجاد ولدها عيسى عليه السلام منها من غير أب، فإن بين القصتين مناسبة ومشابهة، لتقارب ما بينهما في المعنى، ليدل عباده على قدرته وعظمة سلطانه، وأنه على ما يشاء قادر، فقال‏:‏ ‏{‏واذكر في الكتاب مريم‏}‏ وهي مريم بنت عمران، من سلالة داود عليه السلام، وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل وقد ذكر اللّه تعالى قصة ولادة أمها لها في سورة آل عمران، وأنها نذرتها محررة أي تخدم مسجد بيت المقدس، وكانوا يتقربون بذلك ذكر السهيلي‏:‏ أن القرآن لم يذكر امرأة باسمها إلا مريم ابنة عمران فإنه ذكر اسمها في نحو من ثلاثين موضعاً، لحكمة ذكرها بعض الأشياخ، وذكر أن الملوك والأشراف لا يذكرون حرائرهم في ملأ ولا يبتذلون أسماءهن، بل يكنون عن الزوجة بالعرس والأهل والعيال، ولم يصونوا أسماء الإماء عن الذكر، فصرح اللّه باسم مريم لما قالت النصارى في مريم تأكيداً لعبوديتها، وإجراء الكلام على عادة العرب من ذكر إمائها، وتكرر ذكر عيسى منسوباً إلى أمه لتشعر القلوب بنفي أبوة اللّه وبنزاهة أمه الطاهرة عن مقالة اليهود ‏{‏فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا‏}‏ ونشأت في بني إسرئيل نشأة عظيمة ، وكانت في كفالة زوج أختها زكريا نبيّ بني إسرئيل إذ ذاك وعظيمهم الذي يرجعون إليه في دينهم، ورأى لها زكريا من الكرامات الهائلة ما بهره ‏{‏كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنّى لك هذا‏؟‏ قالت هو من عند اللّه إن اللّه يرزق من يشاء بغير حساب‏}‏، فذكر أنه كان يجد عندها ثمر الشتاء في الصيف، وثمر الصيف في الشتاء كما تقدم بيانه في سورة آل عمران، فلما أراد اللّه تعالى – وله الحكمة البالغة – أن يوجد منها عبده ورسوله عيسى عليه السلام، أحد الرسل أولي العزم الخمسة العظام ‏{‏انتبذت من أهلها مكانا شرقيا‏}‏ أي اعتزلتهم، وتنحت عنهم وذهبت إلى شرقي المسجد المقدس؛

عن ابن عباس، قال‏:‏ إن أهل الكتاب كتب عليهم الصلاة إلى البيت والحج إليه، وما صرفهم عنه إلا قيل ربك ‏{‏فانتبذت من أهلها مكانا شرقيا‏}‏ قال‏:‏ خرجت مريم مكاناً شرقياً فصلوا قبل مطلع الشمس ‏”‏رواه ابن أبي حاتم وابن جرير، وهذه هي العلة في توجه النصارى جهة المشرق‏”‏‏.‏ وعنه قال‏:‏ إني لأعلم خلق اللّه لأي شيء اتخذت النصارى المشرق قبلة، لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فانتبذت من أهلها مكانا شرقيا‏}‏ واتخذوا ميلاد عيسى قبلة، وقال قتادة‏:‏ ‏{‏مكانا شرقيا‏}‏ شاسعاً متنحياً، وقوله‏:‏ ‏{‏فاتخذت من دونهم حجابا‏}‏ أي استترت منهم وتوارت، فأرسل اللّه تعالى إليها جبريل عليه السلام ‏{‏فتمثل لها بشرا سويا‏}‏ أي على صورة إنسان تام كامل‏.‏

قال مجاهد والضحّاك ‏{‏فأرسلنا إليها روحنا‏}‏‏:‏ يعني جبرائيل عليه السلام، وهذا هو ظاهر القرآن، قال تعالى‏:‏ ‏{‏نزل به الروح الأمين على قلبلك لتكون من المنذرين‏}‏، ‏{‏قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا‏}‏ أي لما تبدى لها الملك في صورة بشر، وهي في مكان منفرد وبينها وبين قومها حجاب خافته وظنت أنه يريدها على نفسها، فقالت ‏{‏إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا‏}‏ أي إن كنت تخاف اللّه تذكيراً له باللّه، قال أبو وائل‏:‏ قد علمت أن التقي ذو نهية، حين قالت‏:‏

‏{‏إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا * قال إنما أنا رسول ربك‏}‏ أي فقال لها الملك مجيباً لها ومزيلاً لما حصل عندها من الخوف على نفسها، لست مما تظنين، ولكني رسول ربك أي بعثني اللّه إليك ‏{‏لأهب لك غلاما زكيا‏}‏، ‏{‏قالت أنى يكون لي غلام‏}‏ أي فتعجبت مريم من هذا، وقالت كيف يكون لي غلام، أي على أي صفة يوجد هذا الغلام مني ولست بذات زوج، ولا يتصور مني الفجور، ولهذا قالت‏:‏ ‏{‏ولم يمسسني بشر ولم أكُ بغيا‏}‏ والبغي هي الزانية، ‏{‏قال كذلك قال ربك هو علي هيّن‏}‏ أي فقال لها الملك مجيباً لها عما سألت، إن اللّه قد قال إنه سيوجد منك غلاماً، وإن لم يكن لك بعل ولا يوجد منك فاحشة، فإنه على ما يشاء قادر، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ولنجعله آية للناس‏}‏ أي دلالة وعلامة للناس على قدرة بارئهم وخالقهم ‏{‏ورحمة منا‏}‏ أي ونجعل هذا الغلام رحمة من اللّه، نبياً من الأنبياء يدعو إلى عبادة اللّه تعالى وتوحيده، كما قال تعالى في الآية الأخرى ‏{‏إن اللّه يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدينا والآخرة ومن المقربين‏}‏ أي يدعو إلى عبادة ربه في مهده وكهولته‏.‏ قال ابن أبي حاتم، عن مجاهد قال، قالت مريم عليها السلام‏:‏ كنت إذا خلوت حدثني عيسى وكلمني وهو في بطني وإذا كنت مع الناس، سبّح في بطني وكبّر، وقوله‏:‏ ‏{‏وكان أمرا مقضيا‏}‏ يحتمل أن هذا من تمام كلام جبريل لمريم، يخبرها أن هذا أمر مقدر في علم اللّه تعالى وقدره ومشيئته، ويحتمل أن يكون من خبر اللّه تعالى لرسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم وأنه كنى بهذا عن النفخ في فرجها، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا‏}‏، قال محمد بن إسحاق ‏{‏وكان أمرا مقضيا‏}‏‏:‏ أي إن اللّه قد عزم على هذا فليس منه بد، واختار هذا أيضاً ابن جرير في تفسيره ولم يحك غيره

ـــ قال مالك رحمه اللّه‏:‏ بلغني أن عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا عليهما السلام ابنا خالة، وكان حملهما جميعاً معاً، فبلغني أن أم يحيى قالت لمريم‏:‏ إني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك، قال مالك‏:‏ أرى ذلك لتفضيل عيسى عليه السلام، لأن اللّه جعله يحيي الموتى ويبرئ الأكمة والأبرص ‏”‏أخرجه ابن أبي حاتم‏”‏‏.‏ ثم أختلف

المفسرون في مدة حمل عيسى عليه السلام، فالمشهور عن الجمهور أنها حملت به تسعة أشهر، وقال عكرمة‏:‏ ثمانية أشهر، وقال ابن جريج، عن ابن عباس، وسئل عن حمل مريم، قال‏:‏ لم يكن إلا أن حملت فوضعت قال ابن كثير‏:‏ هذا القول عن ابن عباس غريب، وكأنه مأخوذ من ظاهر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فحملته فانتبذت به مكانا قصيا * فأجاءها المخاض‏}‏ فالفاء للتعقيب ولكن تعقيب كل شيء بسببه ‏.‏

والمشهور الظاهر – واللّه على كل شيء قدير – أنها حملت به كما تحمل النساء بأولادهن، ولهذا لما ظهرت مخايل الحمل بها، وكان معها في المسجد رجل صالح من قراباتها يخدم معها البيت المقدس، يقال له يوسف النجار، فلما رأى ثقل بطنها وكبره أنكر ذلك من أمرها، ثم صرفه ما يعلم من براءتها ونزاهتها ودينها وعبادتها، ثم تأمل ما هي فيه فجعل أمرها يجوس في فكره لا يستطيع صرفه عن نفسه، فحمل نفسه على أن عرَّض لها في القول، فقال‏:‏ يا مريم إني سائلك عن أرم فلا تعجلي عليَّ، قالت‏:‏ وما هو‏؟‏ قال‏:‏ هل يكون قط شجر من غير حبّ‏؟‏ وهل يكون زرع من غير بذر‏؟‏ وهل يكون ولد من غير أب‏؟‏ فقالت‏:‏ نعم، وفهمت ما أشار إليه، أما قولك هل يكون شجر من غير حب وزرع من غير بذر، فإن اللّه قد خلق الشجر والزرع أول ما خلقهما من غير حب ولا بذر، وهل يكون ولد من غير أب، فإن اللّه تعالى قد خلق آدم من غير أب ولا أم فصدقها، وسلم لها حالها، ولما استشعرت مريم من قومها اتهامها بالريبة، انتبذت منهم مكاناً قصياً، أي قاصيا منهم بعيداً عنهم لئلا تراهم ولا يروها‏.‏ قال محمد بن إسحاق‏:‏ فلما حملت به وملأت قلتها ورجعت، استمسك عنها الدم وأصابها ما يصيب الحامل على الولد من الوصب والتوحم، وتغير اللون، حتى فطر لسانها، فما دخل على أهل بيت ما دخل على آل زكريا وشاع الحديث في بني إسرائيل، فقالوا‏:‏ إنما صاحبها يوسف، ولم يكن معها في الكنسية غيره، وتوارت من الناس، واتخذت من دونهم حجاباً، فلا يراها أحد ولا تراه‏.‏

ــ‏{‏قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا‏}‏ فيه دليل على جواز تمني الموت عند الفتنة، فإنها عرفت أنها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود الذي لا يحمل الناس فيه أمرها على السداد ولا يصدقونها في خبرها، وبعد ما كانت عندهم عابدة ناسكة تصبح عندهم فيما يظنون عاهرة زانية،

ـــــ فناداها من تحتها قال ابن عباس وقتادة والسدي والضحاك جبريل وقال مجاهدو الحسن ابنها

ـــ قال عمرو بن ميمون‏:‏ ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب، ثم تلا هذه الآية الكريمة

ــ قال ابن عباس : خرجت من عندهم حين أشرقت الشمس، فجاءتهم عند الظهر ومعها صبي تحمله، فكان الحمل والولادة في ثلاث ساعات من النهار. وقال الكلبي : ولدت حيث لم يشعر بها قومها، ومكثت أربعين يوما للنفاس، ثم أتت قومها تحمله، فلما رأوها ومعها الصبي حزنوا وكانوا أهل بيت صالحين؛ فقالوا منكرين{قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} أي جئت بأمر عظيم

ــ هارون قال السهيلي‏:‏ هارون رجل من عباد بني إسرائيل المجتهدين كانت مريم تشبه به في اجتهادها، ليس بهارون أخي موسى بن عمران، فإن بينهما من الدهر الطويل والقرون الماضية والأمم الخالية ما قد عرفه الناس ، فكانت تقاس به في الزهادة والعبادة‏.‏ وقد كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم وصالحيهم‏.‏ كما قال الإمام أحمد، عن المغيرة بن شعبة قال‏:‏ بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى نجران، فقالوا‏:‏ أرأيت ما تقرأون ‏{‏يا أخت هارون‏}‏ وموسى قبل عيسى بكذا وكذا‏؟‏ قال‏:‏ فرجعت فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم‏)‏ ‏”‏وأخرجه مسلم

ــ ‏{‏قال‏:‏ إني عبد اللّه‏}‏ أول شيء تكلم به أن نزه جناب ربه تعالى وبرأه عن الولد، وأثبت لنفسه العبودية لربه، وقوله‏:‏ ‏{‏آتاني الكتاب وجعلني نبيا‏}‏ تبرئة لأمّه مما نسبت إليه من الفاحشة، قال نوف البكالي‏:‏ لما قالوا لأمه ما قالوا كان يرتضع ثديه، فنزع الثدي من فمه، واتكأ على جنبه الأيسر وجلس مجلس الملك وقال‏:‏ ‏{‏إني عبد اللّه آتاني الكتاب وجعلني نبيا – إلى قوله – ما دمت حيا‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وجعلني مباركا أين ما كنت‏}‏، قال مجاهد‏:‏ وجعلني معلماً للخير، وفي رواية عنه‏:‏ نفاعاً

__ نصرة الله لعباده المؤمنين

ــ قال سفيان الثوري‏:‏ الجبار الشقي الذي يقتل على الغضب، وقال بعض السلف‏:‏ لا تجد أحداً عاقاً لوالديه إلا وجدته جباراً شقياً، ثم قرأ‏:‏ ‏{‏وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا‏}‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا‏}‏ إثبات منه لعبوديته للّه عزّ وجلّ، وأنه مخلوق من خلق اللّه يحيا ويموت ويبعث كسائر الخلائق، ولكن له السلامة في هذه الأحوال التي هي أشق ما يكون على العباد، صلوات اللّه وسلامه عليه‏.‏

ــ ‏{‏فاختلف الأحزاب من بينهم‏}‏ أي اختلف قول أهل الكتاب في عيسى بعد بيان أمره ووضوح حاله، وأنه عبده ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فصممت طائفة منهم وهم جمهور اليهود عليهم لعائن اللّه، على أنه ولد زنية، وقالوا‏:‏ كلامه هذا سحر، وقالت طائفة أخرى‏:‏ إنما تكلم اللّه، وقال آخرون‏:‏ بل هو ابن اللّه وقال آخرون‏:‏ ثالث ثلاثة، وقال آخرون‏:‏ بل هو عبد اللّه ورسوله، وهذا هو قول الحق الذي أرشد إليه المؤمنين، وقد روي نحو هذا عن ابن جريج وقتادة وغير واحد من السلف والخلف‏.‏

وقد ذكر غير واحد من علماء التاريخ من أهل الكتاب وغيرهم أن قسطنطين جمعهم في محفل كبير من مجامعهم الثلاثة المشهورة عندهم، فكان جماعة الأساقفة منهم ألفين ومائة وسبيعن أسقفاً، فاختلفوا في عيسى ابن مريم عليه السلام اختلافاً متبانياً جداً، فقالت كل شرذمة فيه قولاً، ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلثمائة وثمانية منهم اتفقوا على قول وصمموا عليه فمال إليهم الملك، وكان فيلسوفاً، فقدمهم ونصرهم وطرد من عداهم، فوضعوا له الأمانة الكبيرة بل هي الخيانة العظيمة، ووضعوا له كتب القوانين وشرعوا له أشياء وابتدعوا بدعاً كثيرة، وحرفوا دين المسيح وغيروه، فابتنى لهم حينئذ الكنائس الكبار في مملكته كلها، بلاد الشام والجزيرة والروم، فكان مبلغ الكنائس في أيامه ما يقارب اثني عشر ألف كنيسة

ــ قصة إبراهيم مع أبيه وكيف تبرأ منه

ــ قصة موسى قال بعض السلف‏:‏ ما شفع أحد شفاعة في الدنيا أعظم من شفاعة موسى في هارون أن يكون نبياً، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ كان هارون أكبر من موسى، ولكن أراد وهب نبوته له ‏”‏أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم‏”‏‏.‏

ـــ قصة إسماعيل هذا ثناء من اللّه تعالى على إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام، وهو والد عرب الحجاز كلهم بأنه كان صادق الوعد‏.‏ قال ابن جريج لم يعد ربه عدة إلا أنجزها، يعني ما التزم عبادة قط بنذر إلا قام بها، ووفاها حقها‏.‏ وقال ابن جرير، عن سهل بن عقيل، إن إسماعيل النبي عليه السلام وعد رجلاً مكاناً أن يأتيه فيه، فجاء ونسي الرجل فظل به إسماعيل، وبات حتى جاء الرجل من الغد، فقال‏:‏ ما برحت من ههنا‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ إني نسيت، قال‏:‏ لم أكن لأبرح حتى تأتيني، فلذلك ‏{‏كان صادق الوعد‏}

ــ ‏ قصة إدريس وقد تقدم في الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مرَّ به في ليلة الإسراء، وهو في السماء الرابعة‏.‏ وعن ابن عباس‏:‏ أن إدريس كان خياطاً فكان لا يغرز إبرة إلا قال سبحان اللّه، فكان يمسي حين يمسي وليس في الأرض أحد أفضل عملاً منه، وقال مجاهد في قوله ‏{‏ورفعناه مكانا عليا‏}‏ قال‏:‏ إدريس رفع ولم يمت كما رفع عيسى‏.‏ وقال سفيان، عن مجاهد ‏{‏ورفعناه مكانا عليا‏}‏ قال‏:‏ السماء الرابعة، وقال الحسن وغيره في قوله ‏{‏ورفعناه مكانا عليا‏}‏ قال‏:‏ الجنة‏.‏

ــ ‏جميع الأنبياء ‏ ‏{‏إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا‏}‏ أي إذا سمعوا كلام اللّه المتضمن حججه ودلائله وبراهينه سجدوا لربهم خضوعاً واستكانة حمداً وشكراً على ما هم فيه من النعم العظيمة، والبكي جمع باك فلهذا أجمع العلماء على شرعية السجود ههنا اقتداء بهم واتباعاً لمنوالهم‏.‏ قال سفيان الثوري قرأ عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه سورة مريم فسجد، وقال هذا السجود، فأين البكي‏؟‏ يريد البكاء‏)‏ ‏”‏رواه ابن أبي حاتم وابن جرير‏”‏‏.‏

ــ عاقبة إضاعة الصلاة وقد اختلفوا في المراد بإضاعة الصلاة ههنا، فقال قائلون‏:‏ المراد بإضاعتها تركها بالكلية، قاله محمد بن كعب القرظي والسدي واختاره ابن جرير، ولهذا ذهب من ذهب من السلف والخلف والأئمة كما هو مشهور عن الإمام أحمد، إلى تكفير تارك الصلاة للحديث‏:‏ ‏(‏بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة‏)‏ ‏”‏الحديث‏:‏ أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي عن جابر بلفظ ‏(‏بين الرجل وبين الشرك الكفر‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏‏”‏، والحديث الآخر‏:‏ ‏(‏العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر‏)‏، وليس هذا محل بسط هذه المسألة‏.‏ وقال الأوزاعي‏:‏ إنما أضاعوا المواقيت ولو كان تركاً كان كفراً‏.‏ وقيل لابن مسعود‏:‏ إن اللّه يكثر ذكر الصلاة في القرآن ‏{‏الذين هم عن صلاتهم ساهون‏}‏، و‏{‏على صلاتهم دائمون‏}‏، و‏{‏على صلاتهم يحافظون‏}‏، فقال ابن مسعود‏:‏ على مواقيتها، قالوا‏:‏ ما كنا نرى ذلك إلا على الترك، قال‏:‏ ذلك الكفر، وقال مسروق‏:‏ لا يحافظ أحد على الصلوات الخمس فيكتب من الغافلين، وفي إفراطهن الهلكة؛ وإفراطهن إضاعتهن عن وقتهن، وقال الأوزاعي‏:‏ قرأ عمر بن عبد العزيز‏:‏ ‏{‏فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة‏}‏، ثم قال‏:‏ لم تكن إضاعتهم تركها ولكن أضاعوا الوقت، وقال مجاهد‏:‏ ذلك عند قيام الساعة، وذهاب صالحي أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ينزو بعضهم على بعض في الأزقة‏.‏ وقال ابن جرير عن مجاهد ‏{‏فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات‏}‏ قال‏:‏ هم في هذه الأمة، يتراكبون تراكب الأنعام والحمر في الطرق، لا يخافون اللّه في السماء، ولا يستحيون من الناس في الأرض‏.‏ وقال كعب الأحبار‏:‏ واللّه إني لأجد صفة المنافقين في كتاب اللّه عزَّ وجلَّ‏:‏ شرَّابين للقهوات، ترَّاكين للصلوات، لعَّابين بالكعبات، رقَّادين على العتمات، مفرطين في الغدوات، تراكين للجماعات، قال، ثم تلا هذه الآية‏:‏ ‏{‏فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا‏}‏، وقال الحسن البصري‏:‏ عطَّلوا المساجد ولزموا الضعيات‏.‏ وقال أبو الأشهب‏:‏ أوحى اللّه إلى داود عليه السلام‏:‏ يا داود حذر وأنذر أصحابك أكل الشهوات، فإن القلوب المعلقة بشهوات الدنيا عقولها عني محجوبة، وإن أهون ما أصنع بالعبد من عبيدي إذا آثر شهوة من شهواته أن أحرمه طاعتي، وقوله‏:‏ ‏{‏فسوف يلقون غيا‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ أي خسراناً، وقال قتادة شراً، وقال عبد اللّه بن مسعود ‏{‏فسوف يلقون غيا‏}‏ قال‏:‏ وادٍ في جهنم بعيد القعر خبيث الطعم‏.‏ وقال الأعمش، عن زياد، عن أبي عياض في قوله ‏{‏فسوف يلقون غيا‏}‏ قال‏:‏ وادٍ في جهنم من قيح ودم‏.‏ وقوله ‏{‏إلا من تاب وآمن وعمل صالحا‏}‏ أي إلا من رجع عن ترك الصلوات واتباع الشهوات، فإن اللّه يقبل توبته ويحسن عاقبته ويجعله من ورثة جنة النعيم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا‏}‏ ذلك لأنَّ التوبة تجبُّ ما قبلها‏.‏ وفي الحديث الآخر ‏(‏التائب من الذنب كمن لا ذنب له‏)‏ ‏”‏أخرجه ابن ماجه عن ابن مسعود والحكيم الترمذي عن أبي سعيد الخدري‏”

ــ ‏{‏وردا‏}‏ عطاشاً قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد والحسن وقتادة وغير واحد

‏ـــ{‏سيجعل لهم الرحمن ودا‏}‏ قال‏:‏ محبة في الناس في الدينا‏.‏ وقال سعيد بن جبير‏:‏ يحبهم ويحببهم يعني إلى خلقه المؤمنين، وقال العوفي، عن ابن عباس‏:‏ الود من المسلمين في الدنيا، والرزق الحسن واللسان الصادق، وقال قتادة ‏{‏إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا‏}‏ إي واللّه في قلوب أهل الإيمان، وذكر لنا أن هرم بن حيان كان يقول‏:‏ ما أقبل عبد بقلبه إلى اللّه إلا أقبل اللّه بقلوب المؤمنين إليه، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم

وقال مجاهد ‏{‏قوما لدا‏}‏ لا يستقيمون، وقال الثوري، عن أبي صالح ‏{‏وتنذر به قوما لدا‏}‏‏:‏ عوجاً عن الحق‏.‏

وقال ابن عباس ‏{‏قوما لدا‏}‏‏:‏ فجاراً

ــ والركز في أصل اللغة‏:‏ هو الصوت الخفي

كتبه

سعد بن عبدالله السبر

المشرف العام على شبكة السبر

محاضرة أُلقيت في جامع الراجحي بحي الجزيرة و يوم الثلاثاء 11/4/1430

salsaber@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى