أغد عالما أو متعلّما – خطب الجمعة

شبكة السبر – خطب الجمعه
كتبه د/ سعد بن عبدالله السبر
17/10/1432
إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله
الحمد لله جعل العلم للعلماء نسبا وأغناهم به وإن عدموا مالاً َ ونسباً ؛ ولأجله سجدت الملائكة إلا إبليس أبى ، أحمده سبحانه ، وأشكره على جزيل فضله وسابغ عطائه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له في ألوهيته وربوبيته وفي أسمائه وصفاته جل عن الند وعن الشبيه وعن المثيل وعن النظير ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام العلماء وسابق الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله النجباء ، وصحبه الشرفاء وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي مطلوب العلماء وهدف المتعلمين ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (1)
أيها المؤمنون : إن الناس بكل مللهم ونحلهم وعقائدهم يبحثون عن الشرف والعلياء ، ويريدون أن يكونوا هم المُقدَمون المُقدِمون ، ولايريدون أن يكونوا هم المؤُخرِون المُؤخرَون ، وكل يبذل وسعه وجهده ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، ومعلوم أن العلو والسعادة والسؤدد موجودون ومتوفرون في العلم بعد توحيد الله والإيمان به،فن من عَلم سَعُد ، ومن جهل بَعُد ، ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) (2) ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (3) ،وقال النبي ( من يرد الله به خيرا يفهمه ) (4) وفي رواية ( يفقه في الدين )(5) وروى أبو الدرداء رضي الله عنه عن النبي
أنه قال (من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء فإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) (6) وقال المسيح عليه السّلام : من تعلّم وعلم وعمل فذاك يدعى عظيما في ملكوت السّماء (7) ،وقال لقمان لابنه: «يا بنيّ لا تعلّم العلم لتباهي به العلماء أو لتماري به السّفهاء، أو ترائي به في المجالس، ولا تترك العلم زهدا فيه ورغبة في الجهالة، يا بنيّ، اختر المجالس على عينك، وإذا رأيت قوما يذكرون اللّه فاجلس معهم، فإنّك إن تكن عالما ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا يعلّموك، ولعلّ اللّه أن يطّلع عليهم برحمة فيصيبك بها معهم، وإذا رأيت قوما لا يذكرون اللّه فلا تجلس معهم، فإنّك إن تكن عالما لا ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا زادوك غيّا أو عيّا ، ولعلّ اللّه يطّلع عليهم بعذاب فيصيبك معهم (8) ,وقال عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه:«تعلّموا العلم، وعلّموه النّاس وتعلّموا له الوقار والسّكينة وتواضعوا لمن تعلّمتم منه ولمن علّمتموه، ولا تكونوا جبابرة العلماء فلا يقوم جهلكم بعلمكم(9) ، وقال عليّ بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- لرجل من أصحابه: يا كميل: «العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النّفقة، والعلم يزكو بالإنفاق (10).
أيها الإخوة: إن الواجب على المسلم أن يقطع عمره بالطاعة وطلب العلم الذي هو فريضة على كل المسلمين؛ كمعرفة الله ووحدانية، ومعرفة العبادات وأحكامها؛ ليعبدوا الله على بصيرة وعلم. قال عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه-: «أغد عالما أو متعلّما، ولا تغد بين ذلك» (11) .
وقال رضي اللّه عنه-:يا أيّها النّاس تعلّموا، فمن علم فليعمل(12)،وقال الإمام أحمد- رحمه اللّه تعالى-:النّاس إلى العلم أحوج منهم إلى الطّعام والشّراب. لأنّ الرّجل يحتاج إلى الطّعام والشّراب في اليوم مرّة أو مرّتين، وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه (13) ،و قال عون بن عبد اللّه: قلت لعمر بن عبد العزيز: «يقال إن استطعت أن تكون عالما فكن عالما، فإن لم تستطع فكن متعلّما، فإن لم تكن متعلّما فأحبّهم، فإن لم تحبّهم فلا تبغضهم. فقال عمر: «سبحان اللّه لقد جعل اللّه- عزّ وجلّ- له مخرجا»)* (14) ،وقال معاذ بن جبل- رضي اللّه عنه-:«تعلّموا العلم فإنّ تعلّمه للّه خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح. والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة. لأنّه معالم الحلال والحرام، والأنيس في الوحشة، والصّاحب في الخلوة، والدّليل على السّرّاء والضّرّاء (15)
معاشر الأبناء والطلاب : إن طلب العلم سعادة ، ومجالسة العلماء والمعلمين عبادة تحصل لكل من التمس طريقا للعلم ، والله يعلم النيات ، وقد يدخل النيات دخن ، فلا يصدنكم الشيطان عن العلم وطلبه ، فكيف يكون عندكم إخلاص وأنتم لم تتعلموا . تعلموا ؛ لتُخلصوا وتَعرِفوا كيف تُخلصوا ، فلا إخلاص قبل العلم ، بل العلم يأتي بالإخلاص ،قال الحسن البصريّ رحمه اللّه تعالى:لقد طلب أقوام العلم ما أرادوا به اللّه ولا ما عنده. قال: فما زال بهم العلم حتّى أرادوا به اللّه وما عنده (16)، وقال بعض الحكماء ليت شعري أي شيء أدرك من فاته العلم وأي شيء فات من أدرك العلم (17)
كتب حكيم إلى حكيم يا أخي قد أوتيت علما فلا تدنس علمك بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم (18)
أيها الشباب : اطلبوا العلم وجدوا واجتهدوا وانصبوا وابذلوا وسعكم ، واعلموا أن العلم طريق الخشية والعبادة والسعادة ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) (19) اجعلوا طلبكم دالا لكم على الطاعة مبعدا لكم عن الزلة والمفسدة من أوتي علما لا يزداد فيه خوفا وحزنا وبكاء خليق بأن لا يكون أوتي علما ( أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ* وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ ) (20) (21) ،وقال سفيان بن عيينة العلم يضرك إذا لم ينفعك (22) ، واعلموا أن العلم لا يحصل إلا بالنصب، والمال لا يجمع إلا بالتعب، واسم الجواد لا يناله بخيل، ولا يلقب بالشجاع إلا بعد تعب طويل (23)
أيها العبد: إن عزمت فبادر، وإن هممت فثابر، واعلم أنه لا يدرك المفاخر، من كان في الصف الآخر سلع المجد كاسدة، وكأن قد غلت، ومراعى الفضل قريبة، وكأن قد علت، وكأنك بغايات الغفلات قد انجلت، فأصبحت حلاوة البطالة من أفواه الغافلين قد رحلت، وأصبحت رايات المجاهدين قد حلت، وتفاوت في السباق مضمار وبطين، كما تفاوت في الإحراق ماء وطين
لا تَحسَبَ المجدَ تَمراً أَنتَ آكِلُهُ … لا تَبلُغ المجدَ حَتى تَلعَق الصَبرا (24)
——————————————————————————–
(1) سورة آل عمران ، آية : 102 .
(2)سورة الزمر ، آية : 9.
(3) سورة المجادلة ، آية :11 .
(4) رواه البخاري في كتاب العلم باب العلم قبل القول والعمل حديث رقم 67 (1/ 71)
(5)رواه البخاري في كتاب العلم باب العلم قبل القول والعمل حديث 71 (1/ 75) ، و رواه مسلم في باب النهي عن المسألة (3/ 94)
(6)أخرجه أحمد (5/196 ، رقم 21763) ، وأبو داود (3/317 ، رقم 3641) ، والترمذى (5/48 ، رقم 2682) وقال : لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث عاصم بن رجاء بن حيوة وليس هو عندى بمتصل . ثم أورد له إسنادًا وقال هذا أصح . وابن ماجه (1/81 ، رقم 223) ، وابن حبان (1/289 ، رقم 88) ، والبيهقى فى شعب الإيمان (2/262 ، رقم 1696) ، وقال الألباني صحيح .
(7)العلم لزهير بن حرب (7).
(8)الدارمي (1/ 117) برقم (377).
(9)جامع بيان العلم وفضله (1/ 135).
(10)إحياء علوم الدين للغزالي (1/ 17، 18).
(11)كتاب العلم لأبي خيثمة زهير بن حرب (6
(12) كتاب العلم لأبي خيثمة زهير بن حرب (7
(13)مدارج السالكين (2/ 470).
(14)العلم، لزهير بن حرب (6، 7).
(15)أخلاق العلماء، للاجري (34، 35).
(16)سنن الدارمي (1/ 114).
(17)التبصرة لابن الجوزى (2/ 174)
(18)التبصرة ـ لابن الجوزى (2/ 175)
(19) سورة فاطر،آية : 28 .
(20)النجم/ 59- 60
(21)الشعب (8/ 427) وقال مخرجه: إسناده جيد. عن الفضيل بن عياض
(22)التبصرة لابن الجوزى (1/ 232)
(23)مواعظ ابن الجوزي (ص: 9(
(24)مواعظ ابن الجوزي (ص: 9)