أقبل رمضان – خطب الجمعة

شبكة السبر – خطب الجمعه
كتبه د/ سعد بن عبدالله السبر
28شعبان 1429
إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله
الحمد لله الحي الذي لا يموت والأنس والجن والمخلوقات يموتون أحمده سبحانه وأشكره على جزيل نعمائه ووافر عطائه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته جل عن الند وعن الشبيه وعن المثيل وعن النظير ليس كمثله شئ وهو السميع البصير وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير من صلى وصام وطاف بالبيت الحرام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي حكمة تشريع الصيام وفرضه( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) .(1) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(2)
أيها الناس أيام معدودة وتستقبِل الأمّة هذا الزائرَ المحبوب بفرحٍ غامِر ، وسرورٍ ظاهرٍ .
رمضان هـلّ بـوافـر الخيـرات *** يهدي لـنـا الآمال والبـركـات
يحيي القلوب بهدي رب راحم *** ويـُمِـدنا بالـنـور والـنـفحــات
شهرَ الفضائل جئتنا تجلو العنا *** بالحـب تـنعـشـنـا وبالنسـَمـات
فـيـك الكـتاب تنـزلت أنوارُه *** هـديـاً يضيء بمحكـم الآيــات
* قال ابن الجوزي رحمه الله : شهر رمضان ليس مثله في سائر الشهور، ولا فضلت به أمة غير هذه الأمة في سائر الدهور ، الذنب فيه مغفور والسعي فيه مشكور ، والمؤمن فيه محبور والشيطان مبعد مثبور ، والوزر والإثم فيه مهجور وقلب المؤمن بذكر الله معمور ، وقد أناخ بفنائكم هو عن قليل راحل عنكم ، شاهد لكم أو عليكم ، مؤذن بشقاوة أو سعادة أو نقصان أو زيادة وهو ضعيف مسؤول من عند رب لا يحول ولا يزول يخبر عن المحروم منكم والمقبول فالله الله أكرموا نهاره بتحقيق الصيام واقطعوا ليله بطول البكاء والقيام ، فلعلكم أن تفوزوا بدار الخلد والسلام مع النظر إلى وجه ذي الجلال والإكرام ومرافقة النبي صلى الله عليه وسلم. أهـ
عباد الله ينبغي للمسلم أن لا يفرط في مواسم الطاعات وأن يكون من السابقين إليها ومن المتنافسين فيها.. قال تعالى ( وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ )(3) كم استقبلنا من رمضان وينتهي ولم نقدم شيئا فها هي الفرصة تعود والأرباح لمن يريد الفوز والافلاح
ماذا أعددنا ونحن على أيام من هذا الشهر العظيم ، هل أعددنا نية وعزماً صادقاً بين يديه؟ هل بحثنا عن قلوبنا ، لنعرف عزمها وصدقها فيه؟
لا يستوي من لا يتجاوز اهتمامه وتفكيره في استقبال رمضان شراء الحاجيات وتكديس الأطعمة الرمضانية ، ومن يجعل جل اهتمامه غذاء الروح والتفكير في تطهير وتزكية النفس والإقبال على الله تعالى في هذا الشهر المبارك .
لسان حاله: كيف أستفيد من هذا الموسم؟ كيف أستعد وأخطط لأن أكون من العتقاء من النار ، من الذين تشتاق لهم الجنة ، من الذين يغفر الله لهم ما تقدم من ذنوبهم .
أخي عبد الله نقول: من الآن ، اصدق عزمك على فعل الطاعات .. وأن تجعل من رمضان صفحةً بيضاءَ نقية ، مليئةً بالأعمال الصالحة .. صافيةً من شوائب المعاصي . قال الفضيل: “إنما يريد الله عز وجل منك نيتك وإرادتك ” و وشتان بينه وبين من همه القنوات والسهرات والإكثار في المباحات فالسلف كانوا يتركون المباح خشية الوقوع فيما ليس مباح !!!!!!! فكيف بمن يغرق في المحرمات فينتهي رمضان وهو في خسران مبين .
أيها الأحبة ونحن نتحدث عن الإعداد والتخطيط المسبق للاستفادة من رمضان، أذكر نفسي وإياكم بتسعة أمور :
أولاً: بادرْ إلى التوبة الصادقة , المستوفية لشروطها , وأكثر من الاستغفار . واعقد العزم الصادق بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى والهمة العالية على تعمير رمضان بالأعمال الصالحة فمن صَدَقَ الله صدقه وأعانه على الطاعة ويسر له سبل الخير .. قال تعالى ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) ويل لمن لم يغفر له في رمضان ثم ويل له .. قال : « أتاني جبريل فقال يامحمد من أدرك شهر رمضان فمات ولم يغفر له فأدخل النار فأبعده الله قل أمين فقلت أمين» رواه الطبراني عن جابر بن سمرة اذاً فها هو رمضان قد أقبل علينا فعلينا أن نستقبله
وقد أوصانا النبي بذلك : سبحان الله ماذا تستقبلون وماذا يستقبل بكم قالها ثلاثا فقال عمر يا رسول الله وحي نزل أو عدو حضر قال لا ولكن الله يغفر في أول ليلة من رمضان لكل أهل هذه القبلة …..
ثانياً: تعلَّمْ ما لابد منه من فقه الصيام وأحكامه وآدابه, والعبادات فيه كالاعتكاف والعمرة وزكاة الفطر وغيرها .
ثالثاً: اعقد العزم الصادق والهمة العالية على استغلال رمضان بالأعمال الصالحة , قال تعالى: (فإذا عزم الأمر فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ), وقال جلا وعلا: (وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةًَ) ، وتحر أفضل الأعمال فيه وأعظمها أجراً .
رابعاً: خُذ ورقة واكتب خطة شهر رمضان الإيمانية , وخطة شهر رمضان العلمية , وكذلك الاجتماعية والدعوية ,اكتب سأقرأ من القرآن كذا وسأشارك في الدعوة في مجال كذا, وسأقرأ من الكتب كذا وكذا ,اكتب وسل الله التوفيق واعلم أن يعطي كل ناوِ ما نوى إما عيناً أو عوضا.
خامساً: حاول أن تشتري حاجيات العيد من هذه الأيام أو في بداية رمضان حتى لا تنشغل بها عن الطاعة في رمضان .
سادساً: اشتري بعض المواد الغذائية للشهر بكامله إن استطعت وتغرف لعبادة ربك ولا تنس نصيبك من الدنيا .
سابعاً: استحضر أن رمضان كما وصفه الله عزَّ وجلَّ أيام معدودات ، فهو موسم فاضل ، ولكنه سريع الرحيل .. واستحضر أيضاً أن المشقة الناشئة عن الاجتهاد في العبادة سرعان ما تذهب بعد أيام ، ويبقى الأجر ، وشَرْحُ الصدر بإذن الله ، أما المفرِّط فإن ساعاتِ لهوه وغفلته تذهب سريعاً ، ولكن تبقى تبعاتها وأوزارها .
ثامناً : حاول أن تصوم رمضان وتجعلة مائة رمضان وذلك بالدعوة إلى الله وإفطار الصائمين وإطعام المحتاجين وكفالة الأرامل والمساكين.
تاسعاًً: وأخيراً : التخطيط والترتيب لبرنامج يومي للأعمال الصالحة كقراءة القرآن ، والجلوس في المسجد ، قال ابن عباس: لأن أقرأ سورة وأرتلها وأتدبرها أحب إلي من أن اقرأ القرآن كله . أهـ
وكان الإمام مالك أذا دخل رمضان نفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف والجلوس مع الأهل ، والصدقة ، والقيام ، والعمرة ، والاعتكاف ، والدعوة وغيرها من الأعمال ، فلا يدخل عليك الشهر وأنت في شَتات ، فتحرمَ كثيراً من الخيرات والبركات.
____________________________________
(1) آل عمران : 102 .
(2) البقرة :183
(3) المطففين :26