مقالات وخطب الدكتور محمد المصري

الشائعة & للدكتور محمد المصري

شاع الخبر يشيعه نشره وأذاعه فهو رجل مشياع أي مذياع .

وقد حث ديننا على نشر الخير وإشاعته بين الخلق بل هو أحسن الأقوال كما قال الله سبحانه وتعالى: {فصِّلت:33} . وكما قال نبينا  ” بلغوا عني ولو آية ” وقال  ” فليبلغ الشاهد منكم الغائب ” .

ومع ذلك فإن الشائعة أو الإشاعة ينصرف إطلاقها إلى الأخبار المكذوبة أو المشينة أو الضارة التي يتم بثها في المجتمع وسريعاً ما تنتشر كالنار في الهشيم ، وغالباً ما تؤدي إلى إثارة القلاقل والفتن كما حصل ، وربما أدت إلى انهيار أوضاع مستقرة وقد يكون هدفها محاربة فضيلة أو مبدأ ، أو الإساءة لشخصية عامة .

والإشاعات بهذا المعنى قديمة جداً فزعماء قوم نوح أشاعوا عنه عليه السلام أنه {المؤمنون:24} . أي إن هدفه الرئاسة والإمارة ، وقوم عاد أشاعوا عن نبي الله هود عليه السلام أنه طائش فقالوا {الأعراف:66} ، وفرعون أشاع عن موسى عليه السلام {الشعراء35:34} .

بينما كانت قريش تقول عن الصادق الأمين  ” أنه مجنون ” وأنه ” ساحر” وأنه ” كاهن” بينما أشاعوا يوم أحد قتله  .

ولم يسلم المجتمع المسلم من الوقوع في الشائعات فهذا رأس النفاق الأول عبد الله بن أبُي بن سلول يشيع الإفك حول زوج النبي  عائشة رضي الله عنها فيبرئها الله تعالى من فوق سبع سماوات.

وعبد الله بن سبأ اليهودي ومن معه يشيعون الكذب عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان  وهو خير من على وجه الأرض يومئذ فيتجمع ضده أخلاط من المنافقين والجهلة فكونوا عصابة تولت حصاره في بيته ثم قتله  ما آثار فتناً متتابعة أدت لاحقاً إلى حروب بين الصحابة رضوان الله عليهم في صفين ويوم الجمل وأدت لاحقاً كذلك إلى قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  وهو خير من على وجه الأرض يومئذ كذلك .

وفي المجال الاقتصادي لا ننسى أثر الشائعات في انهيار أسعار الأسهم في المملكة وما ترتب عليه من أثار اقتصادية مدمرة لم يخفف منها سوى الإجراءات الحكيمة التي عالج بها خادم الحرمين الشريفين الأوضاع الكارثية .

وفي المجال الأخلاقي لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع إشاعة تحض شخصية عامة أو مشهورة أنها ارتكبت مخالفة أو تم القبض عليها متلبسة بجرم أو غير ذلك ثم لا تلبث إلا وتتضح الأمور عن كذب الخبر وأنه مجرد إشاعة وقد حرّمت الشريعة إشاعة ما يمس عرض الناس وأسرارهم الخاصة حيث قال الله تعالى {النور:19} .

وفي مجالات الكوارث والأمراض المعدية والأدوية الفاسدة كثيراً ما تنتشر تحذيرات من طعام معين أو دواء معين أو مرض معين ثم لا تلبث إلا وتتضح الأمور عن كذب الخبر وأنه مجرد إشاعة وقد نهى النبي  عن ترويع المسلم جاداً أو هازلاً .

كما أن الإسلام نهى أتباعه أن يطلقوا التهم على عواهنها أو يُلغوا عقولهم عند كل شائعة أو ينساقوا وراء كل ناعق فقد قال نبينا  ” كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع ” وفي رواية ” كفى بالمرء إثماً ”

وقد أخبر النبي  عن عقوبة مروج الإشاعات – إن مات مصراً على ذلك وهي دعوة لكل من نشر إشاعة أن يتوب منها ففي الصحيح أن النبي  رأى أنه مرّ على رجل مستلق إلى قفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب فإذا هو يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه ، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل مل فعل المرة الأولى، قال: قلت: سبحان الله ما هذان؟ثم قال : وأما الرجل الذي أتيت عليه، يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق , واليوم تنتشر الشائعات عن طريق الشبكة العنكبوتية ( الانترنت ) وعن طريق الصحف , وعن طريق الفضائيات , وربما قامت بنشرها أجهزة استخباراتية , وربما نشرتها جهات مغرضة , وربما تم نشرها بهدف الخير جهلاً منهم وللأسف فإن أكثر من يعين على نشرها هم عامة الناس كما قال الله تعالى ذاماً لمن يفعل ذلك {التوبة:47} .

فالواجب الحرص والتنبه والوقوف عند الأخبار غير الرسمية والتثبت منها وأن يضع المسلم لها منهاجاً أصيلاً منطلقاً من قول الله تعالى : {الحجرات:6} , وفي قراءة ( فتثبتوا ) ووصف الفسق ليس قيداً بقدر ما هو وصف لمن ينشر الأخبار من غير تثبت بصحتها أو أثرها والواجب عليه أن يضع في اعتباره ما يلي : –

أولاً : حسن الظن بإخوانه {الحجرات:12} , ” إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ” .

ثانياً : أن يطلب البرهان الذي يدل على صدق الخبر الذي ينشره من مشاهدة أو سماع .

ثالثاً : أن لا يتحدث بما سمعه ولا ينشرها حتى يتأكد من أمرين1 – صحة ما ينشر 2- التأكد من أثره الطيب على صاحبه في أو المجتمع .

وليتأكد فلا بد من تحقق ما يلي وهو :

رابعاً : أن يرد الأمر إلى أهله إن كان الخبر حديثاً ردّه إلى علماء الحديث وإن كانت مسألة فقهية ردّها إلى علماء الفقه وإن كانت مسألة عامة ردها إلى المسؤولين , وإن كانت اقتصادية ردّها إلى الاقتصاديين ، وإن كانت عن شخصية سألها هي وقد قال النبي  لعائشة رضي الله عنها يوم الإفك ” إن كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله واستغفري وإن كنت بريئة فسيبرئك الله ” فنزلت براءتها من فوق سبع سماوات وهكذا ثم يشاور أهل الخبرة قبل أن ينشر الخبر .

فمن لم يفعل ذلك فعليه التوبة بالندم والإقلاع وإصلاح ما نشر وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

كتبه

المستشار الشرعي

د. محمد جاد بن أحمد صالح المصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى