الحمد لله الذي كبت الأعداء ، ومقت الأشقياء ، نحمده كل الحمد على الإعانة ، ونشكره كل الشكر على الإبانة ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك في الأسماء والصفات ، والعبادة والذات ، جل عن الأشباه والأنداد ، والنظائر والأضداد ،ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، وأشهد أن خاتم الأنبياء والرسل محمدُ بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد : فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي الهادي إذا اقتحم العوادي ، وصاح يوم الحشر صوت المنادي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (1). (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) . (2)
أيها المؤمنون :
اسْتَشْرَى فِيْ الأُمَّةِ الدَّاء ، وَرَفَضَ الْجَرْبَى الدَّوَاء ، وتسمَّر الْمُجْتَمَعُ كَالْمُوْمِيَاء ، وخَفَتَ فَي الْكَوْنِ صَوْتُ النِّدَاء ، وَحِيْنَهَا : تَرَبَّصَ الأَعْدَاء .
نهضت قوى العقيدة ، وانتعشت كوادر الدولة ، وتأهبت أجهزة الأمن ، فما نبست الشفاه بحرف ، وما استطاعت الأبصار رفع سيف ، فتمعنتْ في قوانا ، وتأملتْ في منانا ، فاكتشفتْ الوقود ، وعرفت مكمن النصر ، ومصدر الهزيمة ، فخططتْ لغزو العقول ، والاستيلاء عليها ، فكسرت دعائم المجتمع ، فاستولت على العقول بإبادة الأبدان ، وتمكنت من القلوب باستهلاك الطموحات ، فتسرب للأمة محلول الفشل ، وتهالكت قواها الفكرية ، وتنكست راياتها الثقافية .
أيها المسلمون: لقد سلبوا من الأمة مجدها الذي يبنى ، وغدها الواعد ، وفجرها الجديد ، لقد سرقوا أنشودة العز الخالدة ، وجسد المجتمع الواحد ، لقد سرقوا ( الشباب ) ، سرقوهم بالمخططات التي أعدوها منذ سنين ، والفخاخ التي نصبوها للإيقاع بكيان الأمة ، وهدم هويتها الدينية والثقافية ، وهاكم ، ما شاع في الآونة الأخيرة من تكاثر القبض على المروجين للمخدرات بكميات تخلع لها القلوب ، وتتهاوى أمامها رجالات التطور والتقدم الحضاري والديني والفكري ، وكان في آخر القائمة من هذه الأخبار المروعة ماجاء في غير قناة وصحيفة من إعلان المتحدث الأمني لوزارة الداخلية أن الجهات الأمنية المختصة قبضت خلال الفترة من غرة شهر رجب وحتى نهاية شهر رمضان المبارك من هذا العام 1431هـ على 210 أشخاص لتورطهم في تهريب وحيازة وترويج أطنان من المخدرات وملايين الحبوب المخدرة ، تقدر قيمتها السوقية بأكثر من 330 مليون ريال سعودي ، منهم 113 سعوديا و31 باكستانيا و21 يمنيا و18سورياً و11 فلبينيا وخمسة مصريين وثلاثة هنود وثلاثة إثيوبيين وأرتيريان وسوداني وكويتي وأردني. وبينّ أن رجال الأمن واجهوا مقاومة مسلحة في أكثر من 18 عملية أمنية نتج عنها استشهاد ثلاثة وإصابة ثلاثة آخرين من رجال الأمن ، بالإضافة إلى مقتل اثنين وإصابة أربعة من المهربين والمروجين، ووفاة متعاطٍ نتيجة بلع كيس بلاستيك يحوي 6ر2 غرام من الحشيش المخدر.وبيَّن أن سبب استهداف شبكات التهريب المملكة يعود إلى سعي تلك الجهات إلى الكسب السريع نظراً لارتفاع أسعار المخدرات التي تباع داخل البلاد نتيجة لقلة المعروض إضافة إلى ارتفاع المستوى المادي للسعوديين. (3)
أيها الأحبة : بدأ فلذات أكبادنا عام جديدا والأباء يأملون والأمهات يرجون والأبناء والبنات يتمنون كلهم له آمل في عام جديد آملهم حصد التفوق والتقدم يرومون علوا ورقيا ولكن هذه الأماني يعترضها :تربص الأعداء يخطفون الأبناء والبنات في طرقهم لدور العلم والعلوم، ويأخذونهم من مجالس التعلم، ومن قاعات الدروس؛ ليُغيروا عقولهم ويطمِسوا على قلوبهم، فيبدلوهم بالعلم ضياعا، وبالدروس تعاطي المخدر، وبالقاعات مراحيض المسكر ، فيصبحوا كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: من بات سكرانا بات للشيطان عروسا وللعروس حبيبا فإذا كنت حبيب الشيطان فأنت عدو الرحمن وإذا كنت عدو الرحمن فأنت من أهل الهوان وفي سموم النيران(4)، ثم بعد ذلك يجعلوهم أضحوكة وألعوبة يلعبون بها؛ لتروج لهم وتدمر مجتمعهم فأينكم أينكم معاشر الآباء والأمهات من هذه النار التي تلظى ليُلى بها فلذات أكبادكم ؟ احذروا وحاذروا وتبهوا ونبهوا وإياكم أن تغفلوا أو تغافلوا؛ جند الشيطان وأحبابه يعملوا ليلهم نهارهم لسلب أبنائكم وبناتكم .
إخوة الدين : كونوا حماة لأبنائكم وبناتكم من مراحيض الشيطان وأعوان الجآن، فهؤلاء المروجون يسعون في الأرض فسادا وفي ذرياتكم إفسادا؛لأنهم يودون لو روج الناس وتعاطي ذراريكم المخدرات والمسكرات ودت الزانية لو زنا الناس !!.
كونوا عونا لأبنائكم وبناتكم على إصلاحهم وتربية التربية الحسنة علموهم أخطار المخدرات وأضرارها وحذروهم من المخدرات ومروجيها وفروا لهم الحياة السعيدة أنفقوا عليهم أعطوهم واكسوهم لتغنوهم وتُبعدوهم عن قبضة المروجين ولوثة المخدرات.
أخي والد المروج ووالد المتعاطي : اعلم علم اليقين أنك أول الأسباب في وقوع ابنك وابنتك في المخدرات واعلم أنك السبب في ترويجهم المسكرات لأنك أهملتهم وضيعتهم حتى احتاجوا للمال فوجدوه خارج البيت عند المروجين واستحييت من علاجهم، فأوغلوا في تعاطي المخدرات، وأعوزتهم حتى غدوا كالمجانين وتركتهم بلا تربية حتى صاروا مروجين فلتكن أبا إيجابيا ولتدعوا لهم أن يخلصهم ربك من المخدرات ولتسارع في علاجهم ولا تخجل واستمر وستجد الخير وتذكر قول الله تعالى ( قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) وتذكر قول النبي
( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )
أيها الموحدون: أخبرنا خالد بن مخلد ثنا مالك عن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله: (من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة فلم يسقها )(5)
وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله: ( من شرب الخمر وسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا . وإن مات دخل النار . فإن تاب تاب الله عليه . وإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا . فإن مات دخل النار . فإن تاب تاب الله عليه . وإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا . فإن مات دخل النار . فإن تاب تاب الله عليه . وإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة ) قالوا يا رسول الله وما ردغة الخبال ؟ قال ( عصارة أهل النار )(6)
كتبه د/ سعد السبر
——————————————————————————–
(1) سورة آل عمران ، آية : 102
(2) سورة الأحزاب ، آية : 70 ، 71 .
(3) الخميس 21شوال 1431هـ سبتمبر2010م-العدد: 15438 .(الأولى)
( 4) بستان الواعظين ورياض السامعين (1 / 230)
( 5) سنن الدارمي (2 / 152) قال حسين سليم أسد : إسناده جيد
(6 ) سنن ابن ماجه – (2 / 1120)
