خطب الشيخ سعد السبر

جحافل النصر __ للشيخ سعد السبر

جحافل النصر

الحمد لله الذي نصر الإسلام على جحافل الطغيان ، ودحرَ العدوَّ إلى أزقَّةِ النُّكران ، نحمده على أنعامه التي لا تُرصَد ، وأبوابهِ التي لا تُوصَد ، ونشكرهُ على النَّصر المقرونِ بعزَّة الإيمان ، والفوزِ على طبيعة الخسران ، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له في ألوهيته و في ربوبيته وفي أسمائه وصفاته ، جل عن الند وعن الشبيه ، وعن المثيل وعن النظير ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، مَا ثَارت على البسيطةِ دائِرة ، ومَا دارَت على الخليقةِ ثائِرة ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد : فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله ، فهي السَّبيلُ إلى النصر والتوفيق ، وهي الدليل إلى معرفة الطريق : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ، ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) .

اللهم لكَ الحمدُ على الإنتصار ، ولكَ الحمدُ على الفوزِ والتمكين ، ولكَ الشكرُ على الظَّفَرِ على الأعداء ، نشكُرك شكراً متتالياً على عودةِ العزَّة بعد اختفاءها ، ولذة النَّصر بعدَ غيابِهَا .

( وما رميتَ إذ رميت ولكنَّ الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاءً حسنا إنَّ الله سميع عليم )لحظات متتابعة ، وأحداث متواصلة ، القلوب تهفو لمعرفة الحقيقة ، والكل قد غشاهُ الذهول على هذه الهمجيَّة الرعناء ، وهذه القسوة الطاغية ، فلولٌ تجُرُّ خلفَها فلول ، وهيئاتٌ تبحثُ عن حلول ، مجازرُ جماعيَّة ، دماءٌ وأشلاء ، أحياءٌ هُدِّمَت ، ومساجدُ دُمِّرت ، وأطفالٌ يُتِّمَت ، مشاهدُ تكرَّرَت لثلاثةِ أسابيع ومع كل هذه الظروف ، تبقى غزَّةُ ثابتة ، بِأوتادٍ من حديد ، ولا ترضَى سوى الصُّمود ، ( ولمَّا رءا المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما  من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدَّلوا تبديلا  ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا ) . وبعد كلِّ هذا الإباء الذي اختفت صورتُه منذ قرون ، وحلَّ مكانها الهدنات والمصالحات ، أعادت غزَّة مجداً قتلناه بأيدينا ، وأنَفةً أضعناها بتفريطِنا ، لقد أفصَحت غزَّة عن نشيد النَّصر ، الذي لا بد أن نُملِيهِ جميعا ، من هنا تكون البداية لأعادت القدس المسلوب ، إذا أردنا عزَّة لا تأبى الرُّكوع ، ومجداً لا يطيق الإنحناء ، فلا بدَّ من التضحية ، وليست التضحية كما تعوَّدنا ، فهنا ستكون الفاتورة باهِظَة الثمن ، ستكون التضحية بالجماجم وبالدِّماء فقط ، لِنُعيدَ مشاهد الكرامَة التي لم نَعُد نذكُرُ صورتَها ، ولنوقِظَ سيوفَ الجهادِ التي سئِمَت مِن أغْمادِها فالمعركة استيقظت في قلوبنا لتخرج لنا كما أخرجت الأجيال جيل ثم جيل ثم نتاج أجيال أخرجت لنا رجال صلاح الدين نتاج أجيال وابن تيمية نتاج أجيال ابن عبدالوهاب نتاج أجيال والإمام محمد ابن سعود نتاج أجيال والملك عبدالعزيز وابن باز نتاج أجيال .

أيها المؤمنون : وبعد هذه المعركة الحاسمة ، وهذه الحادثة التي لن ينساها التاريخ ، بأول خطوة في غزة ولكنها لن تنتهي ولم تنتهي حتى لو أردنا إنهائها فبنو يهود وأكلة الخنزير لا يريدون إنهائها حتى يريدونا عن ديننا ولايزالون يقاتلونكم حتى يردوكم وعد من ربنا صدقا لاكذبا فيه إذا الحل هو الجهاد

إخوة الدين : كان لابُدَّ من وقفة نعيد فيها الشريط الذي مرّّ في ثلاثة أسابيع ، ولكنَّه كشف لنا حقيقةً كانت مغيَّبة لسنوات ، وقد اتضحت هذه الحرب بأنَّها حرب عقديةٌ ضد الإسلام والمسلمين ، فمن الذي دفع أمريكا لأن تقفَ مع إسرائيل ، وما الذي دفعها لحمايتها ، ودفع أسرائيل بعد هروبها من غزة تتجه لأوروبا طلبا للعون لتعد أوروبا اليهود بحصار غزة من جديد عن طريق البحر بحجة واهية وهية منع تهريب الأسلحة لغزة ؟؟؟ وبالأمس بدأووا يطلقون قذائفهم من البحر وأنَّ ما تفعله إسرائيل من حقِّها ، إنَّ كلَّ هذا هو من أجل قمع الإسلام والمسلمين ، والضغط على طاقة الإسلام التي بلغَت أراضيهم مِن أن تواصل مسيرها ، فلذا كان لزاماً على أمريكا ومن هم على شاكلتِها أن يدعموها أيضا ، وللأسفِ وكلُّ الأسف ، أنَّ بعض أقلام العرب ، قد اتَّجهت نحو إسرائيل لتُعِينَها على عدوانها ، وعلى عُتوِّها وطغيانِها ، والبعض الآخر قد أخذَ يُشكِّكُ في ثوابت الدين ، ونصرة الله للمؤمنين ، وأنَّها قائمة لا محالة ، وبدأ يكتب في الصحف تَعنُّتا ، والآن بعد المعركة ، وبعد أن قامت الحُجَّة ، فَتئَ يقول أنَّ هذا ليس نصراً ، فانظر ماذا خلَّفَ الصهاينة ، سوى مئات الشهداء ، وآلاف الجرحى ، ومدينةً قد سُوِّيت بالأرض ، أَبعد كُلِّ هذا ؟ تُسَمِّي هذا نصرا ، فَيُقال لمثلِ هؤلاء المرضَى ، أولاً أن كُل معركة لا بد فيها من دم ، ولا بد فيها من مقابل ، وانظر إلى ميزانِ القوى ، إن كنتَ تعقِل ! ، فتلك قوة أُعدَّت بجبروتها ودباباتها ، و آلاف الجنودِ المُدجَّجينَ بأقوى الأسلحةِ وأخطرِها على الإطلاق ، ومن ثلاث محاور ، من الأرض ، ومن الجو ، ومن البحر ، ولم يقِفوا على السلاح فحسب ، بل استخدموا أعتاها ، وجلبوا أسلحة قد حُرِّمت دولياً ضد المدنيين ، ومع كل هذا فقد نُزِعت من قلوبهم معاني الرَّحمة ، ولكنَّ معالم الجُبنِ موجودة ، وفي الجانب المًُقابِلِ فليسَ سوى مدنيين عُزَّل ، وأطفال وعجائز ، لا يملكون من السلاح سوى اسمهُ فقط ، فَإذا عَوَّلتَ على المقاومة ، فليسَ هناك أي مقارنة تُعتَبَر ، أولاً فارق العدد والتجهيز العسكري ، وكذلك الأسلحة وأجهزة الحرب ، ومع كلِّ هذا فقد عجِزت إسرائيل على الصمود ، وأمهلتهَا المقاومة أسبوعاً للمغادرة ، فكيف لجيشٍ عرمرم قد حُشِدَ بالآلاف أن يخرُج هرباً في يومين فقط ، وقد قال قائد سرية المدرَّعات بعد هولِ ما رأى من الصمود فإمَّا الموت وإمَّا الأرض والكرامة .

فقال: (إنَّها حرب أشباح ، لا نرى مقاتلين بالعين المجرَّدة ، إنَّهم سرعان ما يندفعون من باطن الأرض ، إننا نمشي ويخرج علينا فدائيين أشباح فينقضُّون علينا ، لقد دبَّ الذعر في جنودنا من هؤلاء الأشباح ) .

( قل موتوا بغيظكم إنَّ الله سميع عليم ) ومارميت إذا رميت ولكن الله رمى لاتحزن إن الله معنا يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين.

أيها الأحبة و مما اقتنصناه في الحقبة الماضية ، أنَّ الإعلام كان له عصا تحكُّم وكانت تحرِّك هذه العصا إسرائيل ، فكانت مترصِّدة لكلِّ خبر يخرج ، لذا فلا نرى الحقائق تأتي صحيحة محضة في الإعلام ، بل كانت هناك جرائم عدَّة لم نستطع مشاهدتها عبر الإعلام ، ولمَّا تعدَّى الإعلام على إسرائيل كان منها أن قصفت برج الشروق الإعلامي بغزَّة ، لأنَّهُ هو الخلية التي تنقل لنا كلّ ما يجري هناك من جرائم وحقائق مخبأة بين أحياء غزَّة ، ومع ذلك فلقد اهتاجت كل شوارع العالم وقدِمت بسيل جرار ، معارضة لهذا الظلم الصريح ، وهذه الأفاعيل المشينة ، وقد انتهضت هِمَمُ المسلمين في هذه المعركة ، ولكن العواطف وحدها لا تكفي ، ولنعلم جميعا بأنَّ الأقصى هو ملك لنا ، وسنُرجعه لنا بإذن الله ، والأقصى لن يرجع إلا بالجهاد ، لأنَّ عزَّة الأمة بالجهاد في سبيل الله ، تحت راية واحدة ، ولنعرِف أن العدوَّ الذي يقابلنا ليس كُفْؤاً لمنازلتنا ، لأن الجُبنَ والخوف متسلِّطٌ عليهم ، فلا يملكون القوَّة الحقيقية وهي قوَّة الإيمان بالله ، وارتفاع المشاعر للجهاد ، وقد قيل

: ( المشاعرُ في الحروب هي ثلاث أرباع اللعبة ، والربع الأخير للسلاح والنَّار ) . لأنها هي الوقود وإن نفد السلاح ، والعروبة التي نتكاتف عليها على أنَّها هي التي تجمع شملنا ومصدر قوِّتنا ووحدتنا ، وهي في الحقيقة تفرِّقنا شتاتاً متنافرين ، وإنما الداعم الحقيقي والذي سيوحِّدنا هو التوحيد والإسلام ، فالتمسُّك به سيكون هو مصدر عزَّتنا ، ووحدتنا ، وقد قال الملك فيصل رحمه الله : ( النَّصر مرهون بالإيمان فلماذا غلب أجدادنا أعظم إمبراطوريتين في العالم وعجِزنا نحن عن جماعةٍ من الكفرة ) .والله يقول ( وإن جندنا لهم الغالبون )

فالركون إلى العقيدة والتوحيد هو العزُّ ، والعدول إلى غيره هو نقطة الرجوع إلى الوراء والسقوط في الهاوية ، وقد قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه : ( نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام فإن التمسنا العزَّة بغيره ، أذلَّنا الله ) . فعلينا الآن أن نوظِّف مشاعرنا في نصرة الإسلام مادامت مُتَّقدَة ، وعلينا أنَّ نشرَع في العمل لاستعادة القدس من المغتصبين ، ونحرر أرض فلسطين المباركة ، ليعود المجد على رؤوسنا ، وتهاب الأمم لقيتنا ، عندئذٍ سنُرغم الأرض على الرضوخ لأوامرنا ، ونقصم أيادي الشرّ على العيث في الأرض فسادا ، وإهلاك الحرث والنسل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى