حضانة الأطفال && للدكتور محمد المصري

الحضانة في الشرع تعني :- حفظ من لا يستقل بأموره ، وتربيته بما يصلحه, ومقتضاها حفظ الأبناء وإمساكهم عما يؤذيهم وتربيتهم على العبادة ومحاسن الأخلاق . وهي واجبة شرعا وجوباً عينياً على من قد يهلك أو يتضرر المحضون بتركه ، أما إذا تعدد الحاضنون ( من يقوم بهذه المهمة فيكون واجباً كفائياً إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين ) وحينئذ وفي هذه الحالة تكون الحضانة حق بمعنى أنه لو امتنع عنها لا يجبر عليها لأنها غير واجبة عليه عيناً ، ولو أسقط حقه منها سقط إلا إذا لم يقبل المحضون غيره أو لم يوجد غيره فتتعين عليه.
ومن بين سائر الولايات يقدم النساء في الحضانة على الرجال لأنهن أشفق وأرفق ، وبهن أليق وأهدى إلى تربية الصغار ثم تصرف إلى الرجال بعد التمييز ، لأنهم على الحماية والصيانة وإقامة مصالح الصغار أقدر .
وحضانة الأطفال تكون لأبويهما ما داما متزوجين ، فإن افترقا فالحضانة لأم الطفل باتفاق للحديث المشهور ( أن امرأة أتت النبي فقالت يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء ، وحجري له حواء ، وثديي له سقاء ، وزعم أبوه أنه ينزعه مني ، فقال : ” أنت أحق به ما لم تنكحي ”
وللحضانة شروط ذكرها الفقهاء منها التكليف بأن يكون الحاضن بالغاً عاقلاً لأن الصغير والمجنون عاجزون عن إدارة أمورهم وفي حاجة لمن يحضنهم فلا توكل إليهم حضانة غيرهم ومنها الأمانة في الدين فلا حضانة لفاسق والمراد به الفسق الذي يضيع الطفل بسببه كالاشتهار بالشرب أو السرقة أو الزنا أو التعاطي المحرم ونحوها أما مستور الحال فتثبت له الحضانة.
ومنها القدرة على القيام بشؤون المحضون أما العاجز لمرض أو كبر سن أو شغل فلا حضانة لهم إلا إذا كان لديهم من يعينهم على الحضانة ومنها أن لا تكون الحاضنة متزوجة من أجنبي من المحضون لقول النبي  في الحديث السابق :” أنت أحق به ما لم تنكحي ” والحكمة من ذلك أنها تكون مشغولة بحق الزوج فإن كان الزوج الآخر محرماً للمحضون أو علم أبوه بزواجها ولم يطالب بالحضانة أو لم يقبل الطفل بغير أمه ، أو لم يقبل بمرضعة غيرها أو يكون الأب غير مأمون أو عاجز عن القيام بمصالح الطفل فحينئذ لا تسقط الحضانة ولا تنتقل.
والأصل في الحضانة أن تكون في بيت أبويه حتى في عدة الطلاق لأن الزوجة ملزمة بمتابعة زوجها والإقامة معه حيث يقيم والمعتدة يلزمها البقاء في مسكن الزوجية حتى تنقضي العدة سواء مع الوالد أو بدونه لقوله تعالى : { لاََ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } (1) سورة الطلاق وإذا انقضت عدة الأم فمكان الحضانة هو البلد الذي يقيم فيه الأب ، لأن له حق رؤية المحضون ، والإشراف على تربيته وذلك لا يتأتى إلا إذا كان الحاضن يقيم في بلد الأب واستثنى بعض الفقهاء أن يكون البلد الذي انتقلت إليه وطنها أو أن يكون الزوج قد عقد نكاحه عليها في ذلك البلد، لأن من تزوج امرأة في بلدها فالظاهر أنه يقيم فيه والده ومن ثمرات النكاح الرضى بحضانة الولد في ذلك البلد ، فكان راضياً بسفرها وللحاضنة المطلقة الحق في طلب أجرة على الحضانة وعلى الأب أجرة سكن الحضانة .
ويبقى الطفل عند أمه حتى يبلغ سن السابعة ، فإن اتفق أبواه بعد ذلك أن يكون عند أحدهما جاز وإن اختصما خيره القاضي بينهما فكان مع من اختار منهما لقضاء عمر بهذا ” هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت ” فأخذ بيد أمه فانطلقت به .
وأما الأنثى فإنها إذا بلغت سبع سنين فلا تخير وإنما تكون عند الأب وجوباً إلى البلوغ ثم إلى الزفاف، لأن الغرض من الحضانة الحفظ والأب أحفظ لها ، وإنما تخطب منه ، فوجب أن تكون تحت نظره ليؤمن عليها من دخول الفساد .
ولكل من أبوي الطفل إذا افترقا حق رؤيته وزيارته لأن المنع من ذلك فيه حمل على قطيعة الرحم ويختلف الوقت بحسب الظروف المحيطة وإن مرض أحد الأبوين والولد عند الآخر لم يمنع من عيادته سواء كان ذكراً أم أنثى . وإن مرضت الأم لزم الأب أن يمكن البنت من تمريضها إن أحسنت ذلك .
هذه مجمل أحكام الحضانة عند الفقهاء ، أما التطبيق العملي فإن مما يؤسف له بعد عن هذه الأحكام المتقنة حيث نلاحظ أن العناد هو الأساس الذي يتحكم فيه الوالدان والهوى هو الذي ينطلق منه أكثرهم فنسمع من يختطف ابنه من المدرسة ويحبسه عن والدته والعكس ، بل ربما مارس بعض العنف مع أبنائه إذا طلب منه لقاء الآخر ، وضحية هذه الممارسات هم الأبناء والواجب على المجتمع تقوى الله عز وجل وتحكيم شرعه ففيه سعادة الآباء والأمهات والذرية وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
كتبها
المستشار الشرعي
د . محمد جاد بن أحمد صالح المصري
إمام وخطيب جامع أبي هريرة