الحمد لله خلق فسوى، وقَدَّرَ فهدى، وأضحك وأبكى، وأسعد وأشقى، وأمات وأحيا، أحمده على واسع فضله وسابغ عطائه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وفي أسمائه وصفاته،لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[الشورى/١١].
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خير الورى وأفضل الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد …
فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ فهي وصية الله لنا وللأولين من قبلنا، وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ۚ [النساء/١٣١]، وهي الملاذ أبدًا والنجاة غدًا؛ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ[الزمر/٦١].
أيها المسلمون …
صرخات مدوية تنطلق من أفواه بنات المسلمين، يريدون فرحًا وسرورًا، ويعيشون حياة قبل الموت والنشور، يريدن حنانًا وجسورا، يريدن قلوبًا حانية وأنفسًا أنية، يريدن رحمة وقولًا ميسورًا، يريدن زوجًا مقبولًا.
فتياتٌ في عمر الزهور مقبلاتٌ على النكاح، صدرت صرخات من بعض الفتيات تقول لأبيها : «أريد زوجًا»، «أريد بيتًا»، «أبي أتظن أنني مسرورة ؟»، «أبي هل تظن أنني محبورة ؟»، «أبي أنا بعيشتي معك مجبورة»، «أبي أنا مكسورة»، «أبي هل تعلم بحالي ؟»، «أمي هل تعلمين بحاجتي للحب والعطف والحنان ؟»، لا شك، لا تعلمان؛ لأنكما غافلان في حياتكما، «أبي أتعلم بماذا أدعوا ؟»، «أبي تعلم بماذا أُتمتم ؟»، «أتعلم بماذا أُحدث نفسي ؟»، «أبي إني أدعو عليك كل يوم وكل أسبوع وكل شهر؛ لأنك حرمتني الزوج، أدعو عليك لأنك حرمتني الأبناء والبنات، وتمتعت أنت وأمي بالأبناء والبنات، أدعو عليك كل يوم وكل لحظة وكل حيضة لأنني أبكي في الليل، ولأنك حرمتني من يحادثني في الليل ويونس وحشتي»، «أبي أدعو عليك لأنني وقعت في الغزل والهيام في خارج البيت، وأنت تنعمت بالحب الحلال والحياة الهانئة في البيت»، «أبي أدعو عليك كل لحظة ودقيقة لأنني وقعت في يد فاجر أسمعني الكلام المعسول حتى غدر بي وأفقدني شرفي وعذريتي، وأنت يا أبي غدرت بي قبله، فلما تلقي لي بالًا ولم تحسب لحاجة حسابًا».
أيها المسلمون …
تستمر صرخات الفتيات فهذه تدعو على أبيها، وتقول : «أبي أدعو عليك لأنني بلغت الأربعين ولا ولد لي»، «أبي أدعو عليك لأنني حُبلى من الزنا»، «أبي أدعو عليك لأنني لم أعرف الحب منك وعرفته مع ذئاب البشر»، «أدعو عليك لأن الحنان مكانه الجوال والانترنت حتى صوروني وأنا عارية ونُشرت صوري في كل المنتديات»، «أبي أدعو عليك وأبكي لأن بين جنبيّ طفلًا قتلته بعد أيام من حمله لأنني مطلقة ولأنني أرملة»، «حرمتني حقي في الحياة حتى جعلتني عارًا عليك، فبحثت عن العار لك لكي تعلم أنك أبٌ أناني وخائنٌ للأمانة والولاية»، «أبي أدعو عليك لأنك حرمتني الحلال وأوقعتني في الحرام عند ما جاء الخُطاب واحد تلو الآخر وأنت تردهم»، «أنسيت يا أبي أول واحد عند ما طلبني ورفضت لأنك تريد تبيعني بمائة ألف ولم ترد تزويجي، ونسيت قول عائشة رضي الله تعالى عنها : قال رسول الله : «إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مُؤْنَةً»(1 )»، فقالت : «وحاولت ردَّ الخطاب حتى غدوت كأنني لا أرغب في النكاح، وصدق عليّ قول عمر، عن إبراهيم بن ميسرة قال : قال لي طاووس : «لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر لأبي الزوائد: «ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور»(2 )، «أبي الآهات كثيرة، والصرخات متعددة، والونات متنوعةٌ، ولكنك تنسى والله لا ينسى»، «أنسيت عند ما حاربت الخطاب لأجل راتبي حتى غدوت عجوزًا في المدرسة، طالباتي أمهات متزوجات وأنا محرومةٌ من النكاح بسبب خوفك على راتبي»، «أبي هل تظن الحياة فلوسًا ودراهم أم أن الحياة مادة وأنا من المادة ؟!»، «أبي هل أنا حجر أم صخر وأنت لوحدك البشر ؟»، «أبي سأقف بين يدي الجبار وأقول «أبي حرمني الزواج، يا رب وقعت في الغرام والعشق والزنا بسبب أبي فاقتص لي منه»، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة/١٨]،يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)ﱠ [عبس/٣٤ ـ ٣٦]، هيهات أن تفر يا أبي، تذكر إن ربك لبالمرصاد.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم …..
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد …
فاتقوا الله أيها المسلمون.
أيها المؤمنون …
نحن مقبلون على الإجازة والصيف، وهما وقت النكاح وكثرته، فلنتحلل من تلك الصرخات والأهات؛ فالحساب عسير، والميزان لا يترك الذر والقطمير، فبادروا بتزويج البنات والشباب قبل الندم في الدنيا والحساب والحسرة في الأخرى، زوجوا الأرامل والمطلقات؛ فهن مسلمات راغبات في الستر والنكاح، أنكحوا الأكفاء، من رضيتم دينه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
وتوبوا إلى ربكم من تفريطكم وتقصيركم فيما استرعاكم عليه ربكم؛ فإنه تواب رحيم غفور كريم، وتذكروا أن التوبة تغسل الحوبة، وأن الحسنات يذهبن السيئات.
كتبه د/ سعد السبر
_______________________________________
( 1) أخرجه أحمد (6/82).
( 2)أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (6/170).