عشر الفضل&& د. سعد السبر

الحمد لله العالم بعدد الرمل والنمل والقطر، ومصرف الوقت والزمن والدهر، الخبير بخافي السر وسامع الجهر، القدير على ما يشاء بالعز والقهر، القديم فلا إله سواه، الكريم في منحه وعطاياه، القاهر لمن خالفه وعصاه، أحمده حمدا ليس له نهاية، وأقر له بالتوحيد فكم دلت عليه آية ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و لا كيف له ولا شبيه ولا يجوز عليه التشبيه، عالم السر وما يعرض فيه، متنزه عن تصور الفكر. أقسم في القرآن بصنعته، والقسم على الحقيقة بقدرته، فتأمل ما تحت القسم من فائدته {والفجر وليال عشر والشفع والوتر} ()، و أشهد أن محمدا الذي ما رُدت له رايةٌ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد فأُوصيكم أيها الناس، ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي الشرعة والمنهج ، والطريق الأسلم، فيها النجاة، وبها الفوز والسعادة ، فاتقوا الله حق التقوى( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون) () .
أيها المؤمنون:أيامٌ قليلةٌ يومان أو ثلاثةٌ ويدخل شهر ذي الحجة، شهرُ العملِ الصالحِ، وأفضلُ أيامِ الدنيا ، عشرُ ذي الحجةِ، فضلّها الله على غيرها، وفضلّها على سائرِ أيامِ السنة، فأقسم بها فقال: والفجر، وليالٍ عشر..) ().
قال الطبري رحمه الله: اختلف أهل التأويلِ في هذه الليالي العشرِ أيّ ليالٍ هي، فقال بعضهم: هي ليالي عشرُ ذي الحجة.
وعن ابن عباس، قال: إن الليالي العشر التي أقسم الله بها، هي ليالي العشر الأول من ذي الحجة ()،وعن محمد بن كعب القرظي: والفجر آخر أيام العشر، إذا دفعت من جمع. وقال الضحاك: فجر ذي الحجة، لأن الله تعالى قرن الأيام به فقال: وليال عشر أي ليال عشر من ذي الحجة. وقال مسروق هي العشر التي ذكرها الله في قصة موسى عليه السلام (وأتممناها بعشر ) () ، وهي أفضل أيام السنة ()، و عن ابن عباس رضي الله عنهما، {والفجر} (). قال: «فجر النهار» {وليال عشر} ().قال: «عشر الأضحى» ()، وعن جابر، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {والفجر وليال عشر} () «عشر الأضحية والوتر يوم عرفة والشفع يوم النحر» هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه” ().قال أبوعثمان النهدي: كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأخير من رمضان، والعشر الأول من المحرم ().
أيها الموحدون: لقد فضلّ النبيُ صلى الله عليه وسلم عشرَ ذِي الحجة وبيّنَ فضلَها وخيرَها ، وحث على العمل الصالح فيها، فعن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما العمل في أيام أفضل منها في هذه؟» قالوا: ولا الجهاد؟ قال: «ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء»()،فكل عملٍ صالحٍ مطلوبٌ ، ومرغّبٌ فيه في هذه العشر، فهي أيام الحج، فلقد أمر الله بالحج ، وجعله ركن الإسلام الخامس، فبادروا بالحج واستعجلوا يا من: لم تحجُوا فرضكم، فالعمرُ قصيرٌ والنفسُ معدودٌ، والأجلُ محدودٌ ، وهذه العشر أيامُ التكبيرِ والتسبيحِ والتهليلِ، وذكر ِالله، وطاعتِه .قال ابن عباس: ” واذكروا الله في أيام معلومات: أيام العشر، والأيام المعدودات: أيام التشريق ” وكان ابن عمر، وأبو هريرة: «يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما» وكبر محمد بن علي خلف النافلة ().
أيها المتقون: إن عشر ذي الحجة، عشرُ أيامِ العمل الصالح فهي تعمُ كلَ عملٍ صالحٍ، ومن العمل الصالح صيامُ هذه العشر، فعن هنيدة بن خالد، عن امرأته، عن بعض، أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر، أول اثنين من الشهر والخميس»(). وعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنهسئل عن صوم يوم عرفة؟ فقال: «يكفر السنة الماضية والباقية»(). قال النووي رحمه الله:صيام العشر مستحبٌ استحبابا شديدا لاسيما التاسع منها وهو يوم عرفة ()، وقال ابن عثيمين رحمه الله: العمل الصالح في أيام عشر ذي الحجة ومنه الصوم أحب إلى الله من العمل الصالح في العشر الأواخر من رمضان، ومع ذلك فالأيام العشر من ذي الحجة، الناس في غفلة عنها، تمر والناس على عاداتهم لا تجد زيادة في قراءة القرآن، ولا العبادات الأخرى بل حتى التكبير بعضهم يشح به () . وقال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ) ()، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار، من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ “().
إخوة الدين: إن عشر ذي الحجة عشر العمل الصالح، تُسنُ فيها الأضحية، فتُنحر تقربا لله عز وجل، فهي أفضل الأعمال، وسنةُ أبينا إبراهيم، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فعن أنس رضي الله عنه، قال ضحى بالمدينة كبشين أملحين أقرنين) ().
قال ابن حبيب: الأضحية أفضل من العتق ومن عظيم الصدقة؛ لأن إحياء السنة أفضل من التطوع. وقال ربيعة: هى أفضل من صدقة سبعين دينارًا. قال غيره: ولم يحفظ عن النبى – عليه السلام – أنه ترك الأضحية ()
قال ابن عبدالبر رحمه الله: إن العلماء مجمعون على أن يوم النحر يوم أضحى وأجمعوا على أن قوله عز وجل ( ليذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) إنما قصد به أيام الذبح والنحر ().
عباد الله: هذه الأيام مطايا فأين العدة قبل المنايا، أين الأنفة من دار الأذايا، أين العزائم أرضيتم بالدنايا، إن بلية الهوى لا تشبه البلايا، وإن خطيئة الإصرار لا كالخطايا، يا مستورين ستظهر الخبايا، سرية الموت لا تشبه السرايا، قضية الزمان ليست كالقضايا.
يا مبخوس الحظ اشك فوات النصيب، لذ بالجناب ذليلا، وقف على الباب طويلا، واتخذ في هذا العشر سبيلا، واجعل جناب التوبة مقيلا، واجتهد في الخير تجد ثوابا جزيلا، قل في الأسحار: أنا تائب، ناد في الدجى: قد قدم الغائب:
(أنا المسيء المذنب الخاطي … المفرط البين إفراطي)
(فإنا تعاقب أنا أهل له … وأنت أهل العفو عن خاطي)().
() سورة الفجرن آية:1-3.
() سورة آل عمران، آية: 102.
() سورة الفجر، آية:1-2.
()تفسير الطبري (24 / 395)
() سورة الأعراف، آية: 142.
()تفسير القرطبي (20 / 39).
()سورة الفجر، آية:1.
() سورة الفجر، آية:2.
()أخرجه الحاكم تفسير سورة والفجر بسم الله الرحمن الرحيم حديث رقم 3927المستدرك على الصحيحين للحاكم (2 / 568) هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأبو نصر هذا هو الأسود بن هلال، وصححه الذهبي 3927 – صحيح .
() سورة الفجرن آية:1-2.
()أخرجه الحاكم كتاب الأضاحي حديث رقم 7517المستدرك على الصحيحين للحاكم (4 / 245). 7517 – على شرط مسلم
()التبصرة لابن الجوزي (2 / 124) .
()أخرجه البخاري باب فضل العمل في أيام التشريق حديث رقم 969صحيح البخاري (2 / 20)
()أخرجه البخاري باب فضل العمل في أيام التشريق صحيح البخاري (2 / 20)
() أخرجه ابو داوود باب في صوم العشر حديث رقم 2437 سنن أبي داود (2 / 325) وقال الألباني:صحيح صحيح أبي داود – الأم (7 / 196) ، وأخرجه البيهقي حديث رقم 8398 السنن الكبرى للبيهقي (4 / 471)، وضعفه الشيخ شعيب الأرنؤوط وقال: ضعيف لاضطرابه، فقد روي عن هنيدة كما هو عند المصنف هنا، وروي عنه عن أمه عن أم سلمة، وستأتي قصة الصوم منه فقط 6/289 و310، وروي عنه عن حفصة بنت عمر، وسيأتي 6/287، وروي عنه عن أم المؤمنين دون واسطة ولم يسمها، وروي عن الحر بن الصياح عن ابن عمر، وهذان الطريقان لم يذكر فيهما سوى قصة الصيام. ومن أجل هذا الاضطراب ضعفه الزيلعي في “نصب الراية” 2/157. مسند أحمد ط الرسالة (37 / 24) .
()أخرجه مسلم باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس حديث رقم 1162صحيح مسلم (2 / 819)
() ينظر: شرح النووي على مسلم (8 / 71).
() ينظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع (6 / 470).
() رواه مالك في الموطأ ما جاء في الدعاء حديث رقم 726 موطأ مالك ت الأعظمي (2 / 300) قال الجوهري: «وهذا حديث مرسل» ، مسند الموطأ صفحة139، ورواه البيهقي باب ما يفعل المرء بعد الصفا والمروة وما يفعل من أراد الحج من الوقوف بعرفة وغيرها حديث رقم 1677 السنن الصغير للبيهقي (2 / 188) ورواه البيهقي باب: أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة حديث رقم 9473 السنن الكبرى للبيهقي (5 / 190) وقال :هذا مرسل , وقد روي عن مالك بإسناد آخر موصولا , ووصله ضعيف ، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (4/ 6) : الحديث ثابت بمجموع الشواهد (وقد ذكر له عدة شواهد، فانظرها هناك) . وكذلك في المشكاة (2598) وقال: رواه الترمذي وحسنه في بعض الروايات. وقال: هو كما قال باعتبار شاهده. وهو حديث مالك المذكور.
()أخرجه مسلم باب في فضل الحج والعمرة، ويوم عرفة حديث رقم 1348 صحيح مسلم (2 / 982)، وأخرجه النسائي ما ذكر في يوم عرفة حديث رقم 3003 سنن النسائي (5 / 251) ، وقال الألباني: صحيح.
()أخرجه البخاري باب من نحر هديه بيده حديث رقم 1712صحيح البخاري (2 / 171).
() ينظر:شرح صحيح البخارى لابن بطال (6 / 7) .
()التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (23 / 195)
()التبصرة لابن الجوزي (2 / 127).