خطب الشيخ سعد السبر

غض البصر نجاة من الزنا – خطب الجمعة

شبكة السبر – خطب الجمعه

كتبه د/  سعد بن عبدالله السبر

إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله

إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله

( يَا أَيُّهَا الذِّينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (1) ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً) (2)(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )(3)

أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأحسن الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعه وكل بدعه ضلاله وكل ضلاله فى النار.

أيها المسلمون :مما لا شك فيه أن الزنا هو من أفحش الفواحش لما فيه من تمزيق للأعراض واختلاط للأنساب من أجل ذلك نهانا الله من الاقتراب منه فقال تعالى : (وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً )(4) وفي مسند الإمام أحمد عن المقداد بن الأسود قال: قال رسول الله ( ما تقولون في الزنا؟ قالوا هو حرام حرمه الله عز وجل ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة ) ولذلك فإن المؤمنين أصحاب النفوس السوية والفطرة السليمة لا يحبون هذا الأمر.

أيها المؤمنون: من استخف بأوامر الله وتعد حدوده ووقع فيما نهاه عنه فقد استحق عقاب الله.فقد أخرج الإمام أحمد بسند صحيح من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي  قال (ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله عز وجل )

 و قول النبي  في الحديث الذي أخرجه ابن ماجة والحاكم في المستدرك من حديث ابن عمر وهو حديث طويل وفيه : ( يا معشر المهاجرين:خمس إن ابتليتم لهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا )

إخوة العقيدة :ما هو نازل اليوم بالأمة من كثرة الحورب والإرهاب والفيضانات والزلازل والأمراض والأدواء المعضلة كل ذلك بسبب الزنا والإعلان به وشيوعه في كل مكان وناد.فمن أجل عدم الوقوع في هذه الفاحشة النكراء والجريمة الشنعاء وضع الله عز وجل ضوابط وحواجز شرعية تمنع فتنة أحد الجنسيين بالأخر وتسد كل طرق وأبواب الفاحشة.فمن هذه الضوابط والحواجز التي وضعها الله عز وجل لتكون سياجًا بين الرجل والمرأة لعدم وصول كلا منها للأخر هو غض البصر.

قال تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ )(5)

وغض البصر معناه: الخفض وإطباق الجفن على العين بحيث يمنع الرؤيا وقد يكون بمجرد صرف البصر عن المنهي عنه.قال ابن باز:فأمر الله عز وجل في هاتين الآيتين الكريمتين المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار وحفظ الفروج وما ذاك إلا لعظم فاحشة الزنا وما يترتب عليها من الفساد الكبير بين المسلمين ولأن إطلاق البصر من وسائل مرض القلب ووقوع الفاحشة وغض البصر من أسباب السلامة من ذلك .و قال السيوطي في تفسير هذه الآية:في الآية تحريم النظر إلى النساء وعورات الرجال وتحريم كشفها.

و قال ابن القيم :فلما كان غض البصر أصلاً لحفظ الفروج بدأ بذكره فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته وإذا أطلق القلب شهوته لأن العين مرآة القلب.

أيها الأحبة :فهناك ربط بين غض البصر وحفظ الفرج لأن الوقوع في الفواحش إنما يكون بمقدمات يأخذه الشيطان خطوة خطوة ولذلك قال ربنا {وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}

نظرة – خطرة – فكرة – إرادة – عزيمة – فعل ، فالشيطان يستدرجه دركة دركة. قال بعض أشياخ الشام :من أعطى من نفسه أسباب الفتنة أولاً لم ينجو منها وإن كان جاهدًا.

وكما روي عن النبي  كما عند الحاكم في المستدرك والطبراني (النظرة سهم من سهام إبليس) فإن السهم شأنه أن يسرى في القلب فيعمل فيه عمل السم الذي يسقاه المسموم فإن بادر واستفرغه و إلا قتله ولابد. فغض البصر استعفاف وهو وسيلة لحفظ الفرج والفلب فالعين رائد القلب كما قال بعضهم.

ألم تر أن العين للقلب رائد…………فما تآلف العينان فالقلب آلف

ويقول ابن القيم عن الزنا فقال:ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدمًا على حظ الفرج فإن كل الحوادث مبدؤها من النظر تكون نظرة – ثم تكون خطرة – ثم خطوة – ثم خطيئة فإما اللحظات فهى رائدة الشهوة ورسولها وحفظها أصل حفظ الفرج فمن أطلق نظرة أورد نفسه موارد الهلاك والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ومن آفاته. أنه يورث الحسرات والزفرات والحرقات فيرى الإنسان ما ليس قادرًا عليه ولا صابرًا عنه وهذا من أعظم العذاب.

أيها الموحدون: قال الله تعالي : (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) فإذا عرفوا ذلك فيجب أن يكونوا على تقوى وحذر منه في كل حركة وسكون. وينبغي على العبد أن يستحي من الله أن يراه علي معصية. قال ابن الحوزى:إنما بصرك يا آخي نعمة فلا تعصي الله بنعمة. ومعلوم أن إطلاق البصر زنى العينين اخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي  قال (كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناهما البطش، والرجل زناها الخطأ والقلب يهوي ويتمني ويصدق ذلك الفرج ويكذبه ).

فبدا الرسول  بزنى العين لأنه أصل زنى اليد والرجل والقلب والفرج وهذا الحديث من أبين الأشياء على أن العين تعصى بالنظر وان ذلك زناها . وقد كان السلف الصالح أشد إيمانا واكثر عملا ومع هذا فإنهم لا يأمنون على أنفسهم فتنة النساء، فكان انس يقول: إذا مرت بك امرأة فغض عينك حتى تجاوزك، وكان الربيع ابن خثيم:يمشى فمر به نسوه فغض بصره وأطرق حتى ظن النسوة انه أعمى فتعوذن بالله من العمى، وقال وكيع خرجنا مع الثوري في يوم عيد فقال: إن أول ما نبدأ به في يومنا غض أبصارنا، وخرج حسان بن أبي سنان يوم عيد : فلما عاد فقالت له امرأته كم من امرأة حسناء قد رأيت؟ فقال: والله ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندك إلى أن رجعت إليك.

الله اكبر إنها قلوب غفت عن الحرام فعوضها الله خيرا وأذاقها حلاوة الإيمان.

أين هؤلاء ممن يطلقون البصر ليل نهار.أين هؤلاء ممن يتابع مشاهد الفجور في التلفاز والفضائيات.أين هؤلاء ممن يجلسون على المقاهي والطرقات ينظرون إلى الغاديات والرائحات. سئل الجنيد بما يستعان على غض البصر؟قال بعلمك أن نظر الله إليك اسبق إلى ما تنظر إليه. قال الإمام احمد :إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ……خلوت ولكن قل على رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ……ولا أن ما تخفي عليه يغيب

 

———————————————–

(1) سورة آل عمران ، آية : 102 .

(2)النساء :1

(3) الاحزاب :70-71

(4) سورة الإسراء: 32

(5) سورة النور :30 – 31

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى