واسعينوا بالصبر والصلاة – خطب الجمعة

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (1)
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ) (2)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (3)
أما بعد فيا أيها الناس إن الله عز سلط على الناس البلاء وأمرهم بالصبر ليختبرهم فمن يصبر ويؤمن ويُوقن ومن يجزع ويتسخط ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ) (4) واعلموا أن من أعظم العبادات المنجيات المثبتات بعد الله الصبر لأنه حصن من المعاصي وعون على الطاعات وطريق الجنات وصفة الموحدين وسبيل المتقين وشعار الموحدين
أيها المؤمنون لقد خلق الله البشر وركب فيهم الشهوات فمن قادته شهوته هلك ومن صبر نجى وفاز ؛ لذا جاء الحث على الصبر في القرآن والسنة ، لأنه راحة المؤمنين وطريق الصالحين ، والصبر حبس النفس عن الجزع واللسان عن التشكي والجوارح عن لطم الخدود وشق الثياب (5)
أيها الموحدون لقد أمر الله بالصبر وحث عليه في آيات قال الله تعالى ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (6)
قال ابن عباس رضي الله عنهما الصبر في القران على ثلاثة أوجه صبر على أداء فرائض الله تعالى فله ثلاثمائة درجة وصبر عن محارم الله تعالى فله ستمائة درجة وصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى فله تسعمائة درجة (7) وقال تعالى كثيرة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (8)
قال السيوطي عن قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) ) (9)
قال عباس في قوله ( ولنبلونكم ) قال : أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء وأنه مبتليهم فيها وأمرهم بالصبر وبشرهم فقال (وبشر الصابرين ) وأخبر أن المؤمن إذا سلم لأمر الله ورجع واسترجع عند المصيبة كتب الله له ثلاث الدر خصال من الخير : الصلاة من الله والرحمة وتحقيق سبل الهدى (10) وقال رسول الله” من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفا صالحا يرضاه ” (11) قوله تعالى : (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) (12)
قال قتادة في قوله واستعينوا بالصبر والصلاة قال : إنهما معونتان من الله فاستعينوا بهما (13)
أيها المؤمنون : وجد في رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري عليك بالصبر واعلم أن الصبر صبران أحدهما أفضل من الآخر الصبر في المصيبات حسن وأفضل منه الصبر عما حرم الله تعالى واعلم أن الصبر ملاك الإيمان وذلك بأن التقوى أفضل البر والتقوى بالصبر وقال علي رضي الله عنه الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا جسد لمن لا رأس له ولا إيمان لمن لا صبر له وكان عمر رضي الله عنه يقول نعم العدلان ونعمت العلاوة للصابرين يعني بالعدلين الصلاة والرحمة وبالعلاوة الهدى والعلاوة ما يحمل فوق العدلين على البعير وأشار به إلى قوله تعالى ( أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) (14) وكان حبيب بن أبي حبيب إذا قرأ هذه الآية (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) (15) بكى وقال واعجباه أعطى وأثنى أي هو المعطي للصبر وهو المثنى وقال أبو الدرداء ذروة الإيمان الصبر للحكم والرضا بالقدر (16)
عباد الله : ماهو حال المسلم حال الشدة وماهو المخرج عند الشدائد بعد الله الصبر هو المخرج من الشدة والضيق ، ولنعلم أن المهرب إلى الله ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ) (17) قال الجنيد : الشيطان داع إلى الباطل ، ففرّوا إلى الله يمنعكم منه . وقال ذو النون : ففرّوا من الجهل إلى العلم ، ومن الكفر إلى الشكر . وقال عمرو بن عثمان : فرّوا من أنفسكم إلى ربّكم (18) . قال أبو حاتم رحمه الله : يجب على العاقل إذا كان مبتدئا أن يلزم عند ورود الشدة عليه سلوك الصبر فإذا تمكن منه حينئذ يرتقي من درجة الصبر الى درجة الرضا فإن لم يرزق صبرا فليلزم التصبر لأنه أول مراتب الرضا ولو كان الصبر من الرجال لكان رجلا كريما إذ هو بذر الخير وأساس الطاعات (19)
أيها الأحبة : إن الإنسان يتقلب بين نعم ومحن وفتن ويحتاج لسلاح يقاوم به المحن والفتن فالصبر خير سلاح ومعين بعد الله على الفتن والمحن والنعم ثباتها بالشكر ، عن صهيب قال قال رسول الله « عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ». (20) ، فلنصبر ونصابر ونتعلم الصبر والمصابرة فلا نجزع ولانتسخط لدنيا فاتتنا أو لابن أو عزيز مات ، فكل الدنيا وما فيها سيفنى وسنفارقها ويبقى وجه ربك ذو الجلل والإكرام ليكن همنا طاعة الله ومرضاته والصبر عن معصيته وما يُسخطه ؛ لنفوز برضاه وجنة عرضها السموات والأرض خصوصا ونحن نعيش فتنا وتغيرا وتقلبا إلا من ثبته الله ووفقه لمرضاته وطاعته وهداه سبيله .
كتبه د/سعد السبر
جامع الشيخ عبدالله الجار الله رحمه الله
11/5/1432
——————————————————————————–
(1) سورة آل عمران، آية :102 .
(2) سورة النساء ، آية : 1
(3) سورة الأحزاب، الآية : 70 -71
(4) سورة الأنبياء، الآية : 35 .
(5)عدة الصابرين لابن القيم (1 / 7)
(6) سورة البقرة، آية : 156-157
(7)إحياء علوم الدين – (4 / 72)
(8) سورة آل عمران ، آية : 200 .
(9) سورة البقرة، آية : 155- 156
(10) الدر المنثور (1 / 376-377)
(11) رواه الطبراني في المعجم
(12) سورة البقرة، آية : 45 .
(13) الدر المنثور للسيوطي (1 / 159)
(14) سورة البقرة ، آية : 157 .
(15) سورة ص، آية : 44.
(16)إحياء علوم الدين – (4 / 62)
(17) سورة الذاريات، آية 50 .
(18) تفسير الكشف والبيان لأحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري (9 / 119)
(19)روضة العقلاء ونزهة الفضلاء – (1 / 118)
(20) رواه مسلم (8 / 227) باب المؤمن أمره كله خير رقم الحديث 7692